العمل عن بعد - مفهومه وطبيعته القانونية
كما هو معلوم أن عمليات البيع والشراء عبر الإنترنت، أو ما يُصطلح عليه بالتجارة الإلكترونية، تُعد من أبرز سمات القرن الحالي في المغرب كما في باقي الدول. غير أنه يُلاحظ اليوم أننا نشهد تحوّلًا تدريجيًا من الجيل الأول للتجارة الإلكترونية إلى مرحلة أكثر تطورًا، وهي التجارة الإلكترونية من الجيل الثاني.
![]() |
| العمل عن بعد- مفهومه وطبيعته القانونية. |
ذلك أن المستهلك الإلكتروني بدأ اليوم يقوم بعملية الشراء الإلكتروني من خلال هاتفه النقال (التجارة عبر الهاتف النقال) بدل الحاسوب ( التجارة الإلكترونية بالمعنى التقليدي).
من جهة أخرى فلم تعد التجارة الإلكترونية تتم عبر المواقع الإلكترونية التقليدية (مواقع تابعة لبائع واحد وتبيع سلعة أو خدمة معينة) بل عن طريق ما يسمى بالمنصات الرقمية (أي من خلال عدد كبير من البائعين الإلكترونيين يعرضون سلعا وخدمات متنوعة على منصة واحدة).
كما تُمارَس أيضًا من خلال مواقع مقارنة الأسعار، التي تتيح للمستهلك الإلكتروني اختيار السلع أو الخدمات الأقل تكلفة عبر الإنترنت، فضلاً عن منصات المزادات الإلكترونية.
هذا الجيل الثاني من التجارة الإلكترونية هو ما يندرج ضمن تطبيقات المدن الذكية، فهي تختلف عن التجارة العادية لكونها تعتمد على التأطير القانوني للعمل عن بعد.
إذن ماذا نقصد بالعمل عن بعد؟ وما هي مختلف صوره وما هي طبيعته القانونية؟
ماهية العمل عن بعد
إن اعتماد العمل عن بُعد على تقنيات الإعلام والاتصال الحديثة يجعله مرتبطًا بشكل وثيق بالتطورات المتسارعة التي تعرفها هذه الوسائل، وهو ما يجعل ضبط هذا النمط من العمل أمرًا بالغ التعقيد.
وقد نتج عن ذلك أنه لم يحظى كغيره من المفاهيم الحديثة بتعريف موحد، بل تعددت هذه التعارف لتعدد صوره.
1. تحديد مفهوم العمل عن بعد في اللغة
بالرغم من أن مصطلح 'العمل عن بعد' يحمل دلالة واضحة في اللغة العربية، حيث يُفهم منه أداء المهام من مكان غير مقر العمل المعتاد، إلا أن المقابل الفرنسي له يحتاج إلى بعض التوضيح.
في اللغة الفرنسية، يُعرف هذا النوع من العمل بمصطلح (Le télétravail)، وهو مركب لغوي يتألف من جزأين كما يلي:
- الجزء الأول هو télé وهي كلمة يونانية تعني البعد أو المسافة، ونجدها في العديد من العبارات مثل télé service وتعني تقديم الخدمات عن بعد وTélécopie وتعني النسخ عن بعد.
- أما الجزء الثاني Travail فيعني العمل.
وعند الجمع بين الجزأين، يُفهم من مصطلح (Le télétravail) العمل عن بعد، أي إنجاز المهام الموكلة إلى الشخص مع وجود مسافة تفصله عن المشغّل، وذلك وفق شروط ووسائل خاصة تتيح هذا النمط من العمل.
2. تحديد المقصود بالعمل عن بعد قانونا
يُواجه تحديد الطبيعة القانونية للعمل عن بعد صعوبات عديدة، تعود أساسًا إلى غياب تعريف موحد أو متفق عليه لهذا المفهوم. إذ يختلف المقصود بالعمل عن بعد باختلاف الجهات أو الأطراف التي تستخدم هذا المصطلح.
يتضح من خلال تعريف منظمة العمل الدولية "للعمل عن بعد" بأنه هو نمط عمل يتم خارج المقر الرئيسي أو مواقع الإنتاج، يكون فيه الأجير معزولًا عن التواصل المباشر مع باقي الأجراء، وتعتمد فيه التكنولوجيا الحديثة لتيسير هذا الانفصال، من خلال توفير وسائل الاتصال التي تُمكن الأجير من أداء مهامه بعيدًا عن مكان العمل التقليدي.
ما يمكن ملاحظته على التعريف أنه:
- غير جامع، إذ أنه حصر العمل عن بعد في صورة واحدة وذلك حين يكون الشخص تابع لمؤسسة معنية، وأغفل صورة العمل عن بعد الحر أو المستقل.
- كما قصر العمل عن بعد على مجرد انفصال الأجير عن المقر الرئيسي للعمل أو مواقع الإنتاج، في حين أن مجرد الانفصال عن المقر الرئيسي للعمل في حد ذاته، لا يدل على ذاتية العمل عن بعد كالأجراء المتجولين والمندوبين، فهؤلاء بالرغم من انفصالهم عن المقر الرئيسي للعمل إلا أنهم لا يعتبرون أجراء عاملين عن بعد.
والاتحاد الأوروبي قام بتعريف العمل عن بعد بأنه "أي عمل يتم من قبل موظف ذو مهنة حرة في مكان ما بخلاف أماكن العمل المعتادة للموظف أو العميل مع إدخال وسائل الاتصال السلكية أو اللاسلكية ونظم المعلومات المتطورة كسمة أساسية لهذا العمل".
يؤخذ على هذا التعريف كونه حصر العمل عن بعد في العلم الذي يتم من قبل موظف ذو مهمة حرة، في حين أغفل الإشارة إلى العمل التابع الذي قد ينفذ في مكان بعيدا عن الأماكن التقليدية للعمل، حيث قد يتم تنفيذه في المنزل أو في الطريق وذلك باستعمال التكنولوجية الحديثة للإعلام والاتصال.
إضافة إلى ذلك، فقد تطرقت بعض اتفاقيات الإطار إلى تعريف العمل عن بعد، ومن بينها الاتفاق الأوروبي في مجال التجارة، الذي عرّف العمل عن بعد على النحو التالي:
"كل عمل يماثل ذلك العمل الذي يتم أدائه بمعرفة الأجير في مكان العمل الطبيعي، ويمكن أداؤه عن بعد باستخدام تكنولوجيا المعلومات المرتبطة أصلا بشبكة المعلومات الخاصة بالمقاولة التي يعمل بها الأجير".
فيما عرفه الإطار الأوروبي المتعلق بالعمل عن بعد، والموقع من قبل الفرقاء الاجتماعيين بتاريخ 16 يوليوز 2002 بأنه:
"شكل من أشكال تنظيم أو تنفيذ العمل، وذلك باستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال، في إطار عقد الشغل أو علاقة شغل، بحيث يمكن أداء العمل الذي ينجز في أماكن عمل المشغل خارج هذه الأماكن بشكل منتظم.
وهو نفس التعريف الذي تبنته المادة الأولى من الاتفاق الوطني البيمهني (اAN) المبرم بين الفرقاء الاجتماعيين الفرنسين بتاريخ 19 يوليوز 2005.
ويسمح هذا التعريف بشمول صور مختلفة للعمل عن بعد المنتظم مستجيبا لمجموعة وساعة من الحالات والممارسات التي تخضع لتطورات سريعة،
ورغم أن هذا النمط يشمل الأجراء المتنقلين، إلا أن مجرد العمل خارج مقر المقاولة لا يكفي وحده لمنح الأجير صفة العامل عن بعد.
إن الطابع المنتظم الذي يتطلبه التعريف لا يعني أن العمل يجب أن ينفذ بكامله خارج المقاولة، وبالتالي فهو لا يستبعد أشكال العمل المتناوب داخل المقاولة وخارجها.
وإذا المشرع المغربي لم ينظم العمل عن بعد فهو تطرق فقط من خلال المادة 8 من مدونة الشغل لتحديد صفة الأجير المنزلي، حيث نص أنه يعتبر أجراء مشتغلين بمنازلهم في مدلول مدونة الشغل من توفر على الشرطين التاليين:
- أن يعهد إليهم بصفة مباشرة أو بواسطة الغير، بأن يؤذوا شغلا لحساب مقاولة واحدة أو عدة مقاولات من المقاولات المبينة في المادة الأولى.
- أن يشغلوا إما فرادى، وإما بمعية مساعد واحد، أو أزواجهم أو أبنائهم غير المأجورين.
ولكل بالإمعان في هذه المقتضيات في حد ذاتها لا يمكن تمديد أحكامها لتشمل الأجير عن بعد من المنزل، لأن العمل عن بعد يؤدي باستخدام وسائل حديثة، كما أنه من الممكن أن يؤدي داخل المقاولة بخلاف العمل المنزلي الذي لا يمكن أن يؤدي داخلها.
فإن نظيره الفرنسي قد اتخذ المبادرة بهذا الشأن، حيث نظم العمل عن بعد بموجب المواد من 9-1222L. الى 1222L. من قانون الشغل الفرنسي، والتي أحدثت بموجب المادة 46 من القانون من 2012-387 المتعلق بتبسيط القانون والحد من الإجراءات الإدارية.
وقد عرف العمل عن بعد بأنه:
"أي شكل من أشكال تنظيم العمل، بحيث أن العمل الذي ينجز في أماكن عمل المشغل يمكن إنجازه من قبل الأجير خارج هذه الأماكن باختياره وبشكل منتظم، وذلك باستخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال في إطار عقد الشغل أو تعديل لاحق به".
يتضح من هذا التعريف أن المشرع الفرنسي حصر مفهوم العمل عن بعد في الأعمال التي يُمكن إنجازها خارج أماكن عمل المشغل، مما يعني استثناء الأجراء الرحل والمتجولين والممثلين التجاريين، نظرا لطبيعة مهامهم التي لا تسمح بأدائها داخل أماكن عمل المشغل، فقد استثنى المشرع الفرنسي هؤلاء الأجراء من نطاق العمل عن بعد.
وقد أخضع المشرع اعتماد نظام العمل عن بعد لاتفاق الطرفين في عقد الشغل، مع ضرورة احترام فترة إشعار محددة سلفًا، على أن يُمنح الأجير، في هذه الحالة، منصبًا داخل المقاولة يتلاءم مع مؤهلاته وكفاءته.
أما فيما يتعلق بالتعريف الفقهي للعمل عن بعد، فنجد أن الآراء قد تعددت وتباينت، إذ ذهب بعض الفقهاء إلى تعريفه بأنه:
"العمل الذي ينفذ في إطار عقد العمل في المنزل أو عن بعد (في مكان بعيد عن المقر الرئيسي للعمل) بطريقة منتظمة، ويتم التواصل فيه باستخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات".
ويُؤخذ على هذا التعريف نفس المآخذ التي طالت التعريف السابق، حيث حصر العمل عن بعد في نطاق العمل التابع فقط، متجاهلًا العمل المستقل، من خلال تأكيده على أن هذا العمل يُنجز في إطار عقد الشغل.
في حين ذهب فقيه آخر إلى أن العمل عن بعد هو أسلوب لتنظيم أو تنفيذ العمل من قبل شخص ذاتي يتم وفقا للشروط التالية:
- أولا بأن الأداء الذي يلتزم به الأجير يؤدي بعيدا عن مكان العمل، أو في موطن الأجير.
- غياب الرقابة بمفهومها المادي، بحيث يكون من المستحيل ماديا على المشغل مراقبة تنفيذ الأجير عن بعد للعمل المأمور به.
- وأخيرا بأن أداء العمل يكون من خلال استخدام الوسائل المعلوماتية، أو تقنيات الاتصال عن بعد.
بينما هناك من عرفه تعريفا موسعا ضمنه العمل التابع والعمل غير التابع بقوله أن العمل عن بعد يقصد به:
"مزاولة الشخص العمل باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، التي تسمح له بأداء العمل المنوط به في إطار علاقة عمل مستقل أو تابع.
ويتسم العمل عن بعد من الناحية التنظيمية بمرونة في تحديد زمن ومكان أداء العمل.
وفي الختام، يمكن تعريف العمل عن بعد بأنه نشاط مهني ينجزه شخص يُطلق عليه 'العامل عن بعد' (Le Télétravailleur)، من موقع غير المكان التقليدي للعمل، مستعينًا في ذلك بوسائل وتقنيات الاتصال والإعلام الحديثة.
وبهذا التعريف يكون العمل عن بعد، كشكل من أشكال. تنظيم وتنفيذ العمل، شاملا العمل التابع والمستقل.
صور العمل عن بعد وطبيعته القانونية
نظرا للتطور الذي عرفه العمل عن بعد والذي كأن من ضمن نتائجه تعدد صوره ومجالات تطبيقه، فإنه سيكون لزاما علينا أن نتعرض لصور العمل عن بعد في جزئية أولى (1) على أن نخصص الثانية (2) للتعرف على طبيعته القانونية.
1. صور العمل عن بعد
أدى تطور التكنولوجيا الحديثة إلى تفكيك العلاقة التقليدية التي كانت تربط الأجير عن بعد بمكان العمل الاعتيادي، حيث أصبح بمقدوره إنجاز مهامه المهنية من أي مكان، بشرط توفر الوسائل التقنية اللازمة، ولا سيما الاتصال بشبكة المعلومات الخاصة بالمقاولة، وهو ما يضمن استمرارية الأداء المهني بنفس الكفاءة والجودة.
![]() |
| العمل عن بعد. |
وقد أدى اعتماد أسلوب العمل عن بعد إلى زوال مفهوم مكان العمل الثابت، حيث حلت فكرة تعدد أماكن العمل محل وحدة مكان العمل التقليدي، مما يتناسب مع متطلبات العمل عن بعد.
فهذا الأخير قد يتم من المنزل أو في مواقع مجهزة بوسائل الاتصال الحديثة وقريبة من مقر سكنى الأجير، بل يمكن تنفيذه في أي مكان في إطار العمل المتنقل.
• العمل عن بعد في المنزل
إن العمل من المنزل كما يظهر من اسمه هو عمل مقره منزل الأجير، وهو قديم قدم البشرية نفسها، ففي بريطانيا وفي مستوطناتها بأمريكا في القرن السابع عشر ميلادي كان معظم الناس يعملون من منازلهم.
وقد انتشر هذا النمط من العمل بشكل واسع في سويسرا إذ كان الأجراء يقومون بصنع الساعات في منازلهم، وكذلك الشأن بالنسبة لليابان حيث كان الدور التقليدي للمرأة اليابانية يستلزم منها التواجد في المنزل، مما دعا الكثير منهم إلى التعاقد مع المقاولات الإنتاج قطع مصنعة أو نصف مصنعة تباع إلى التجار أو المصانع.
وتشكل الرغبة في تحقيق الاستقلالية والمرونة في تحديد ساعات العمل، توفير الوقت والمال، وعدم التعرض لصعوبات التنقل من العمل للمنزل، أو الانتقال من مكتب لآخر في مدن مختلفة لنفس المقاولة، أو الرغبة في الاستفادة من مزايا العمل عن بعد، تعتبر من الدوافع التي تدفع الأفراد إلى اختيار العمل من المنزل.
يُعتبر العمل من المنزل من المجالات الهامة التي يلجأ إليها العديد من الأشخاص لأداء مهامهم، سواءً كانوا يعملون لحسابهم الخاص أو لحساب الآخرين.
وعليه، فإن تكييف هذا النوع من العمل يختلف باختلاف طبيعة العلاقة بين الأطراف، ومدى توفر شروط الخضوع لقانون الشغل، وهو ما يُسهم في التمييز بين العمل التابع والعمل المستقل.
فالشخص الذي يزاول عمله من منزله لحسابه الخاص، يباشر مهامه باستقلال تام، دون خضوع لأي علاقة تبعية تجاه مشغل معين، مما يتيح له إمكانية قبول عدة مهام في الوقت نفسه، وبالتالي، فإن العامل المستقل يستفيد من حرية تنظيم نشاطه المهني.
ويُتيح العمل المستقل للعامل إمكانية تقديم خدماته لفائدة أكثر من مشغل في الوقت نفسه، بالنظر إلى استقلاليته في أداء المهام. أما العمل التابع، فيُقصد به النشاط المهني الذي يُنجزه الأجير في ظل علاقة تبعية قانونية للمشغل، تظهر من خلال خضوعه لتوجيهاته وإشرافه المباشر، وامتلاك هذا الأخير لسلطة إصدار الأوامر والتعليمات، وكذا توقيع الجزاءات التأديبية في حالة إخلال الأجير بواجباته المهنية.
وبناءً عليه، فإن العلاقة التي تجمع بين الأجير الذي يُنجز عمله من المنزل والمشغل تخضع لأحكام قانون الشغل، متى توفرت عناصر التبعية القانونية.
غير أنه، ورغم أن العمل من المنزل يُعد من أبرز صور العمل عن بعد، فلا يمكن الجزم بأن كل نشاط يُمارس من المنزل يُعتبر بالضرورة عملاً عن بعد. ذلك أن العمل عن بعد يتميز بارتباطه الوثيق بتكنولوجيا الإعلام والاتصال، من خلال الاعتماد على جهاز حاسوب موصول بشبكة الإنترنت، ومربوط كذلك بالنظام المعلوماتي الخاص بالمقاولة.
هذا بالإضافة إلى أن العمل عن بعد غالبا لا تستطيع الحدود الجغرافية أو السياسية الوقوف في سبيل انتشاره بخلاف العمل من المنزل التقليدي الذي يكون محدود الانتشار ويقتصر على البلد الذي يتم الإنتاج فيه.
ويعتبر العمل من المنزل على النحو السابق عملا عن بعد سواء مثلا قام الأجير بالعمل المكلف به بشكل كامل في المنزل كالمحللون والمبرمجون في صناعة تكنولوجيا المعلومات، أم بشكل جزئي بحيث قد يكون العمل من المنزل ليوم أو أكثر كل أسبوع أو لعدة أيام في الشهر أو على فترات متفاوتة مثل عدة أيام كل بضعة أسابيع
وأخيرا يمكن القول بهذا الصدد أن العمل عن بعد بهذه الصورة يسمح إذن بتوفير قدر من الاستقلال والحرية في أداء العمل من جانب الأجير من ناحية، وقدرته على ترتيب وقت العمل من ناحية أخرى.
• العمل عن بعد من المتنقل
الأجير عن بعد المتنقل هو الذي يقضي وقت عمله في أماكن متفرقة بما يجعله في حالة تنقل مستمر، ويستطيع البقاء على اتصال مستمر مع المشغل بفضل استخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال.
وهكذا، يحتاج العامل عن بعد المتنقل لممارسة عمله التوفر على جهاز حاسوب صغير وهاتف نقال وجهاز فاكس وغيرها من الاجهزة اللازمة لإنجاز العمل.
فبواسطة هذه الوسائل الإلكترونية - الحديثة يستطيع العامل عن بعد المتنقل إنجاز عمله في أي مكان دون التقيد بمقر عمل محدد.
والعامل عن بعد المتنقل يمكن أن يتخذ أحد الأشكال التالية:
- العامل المتنقل من المنزل وهو العامل الذي يتخذه من منزله مقرا لعمله سواء الخاص أو لصالح مقاولة معينة.
- العامل المتنقل في مقر العملاء: إذ يتخذ من أماكن تواجد العملاء مقرا للعمل، كالمحاسبين والمراجعين الذين يلزم تواجدهم في موقع العملاء لتقديم الخدمات الفنية والمساعدة.
- العامل المتنقل الذي يتخذ من سيارته موقعا لعمله: كمهندسي الصيانة وخدمات التوصيل ومندوبي المبيعات.
- العامل المتنقل جوا وبحرا وبرا لمسافات بعيدة: كمراسلي الصحف ووكالات الأنباء والمحللين الماليين.
- العامل المتنقل في مراكز العمل عن بعد: والذي عادة ما يقسم عمله بين المقر الرئيسي للمقاولة والمنزل ومركز العمل عن بعد حسب متطلبات العمل.
• العمل عبر الشبكة الإلكترونية للمقاولة:
في هذه الصورة من صور العمل عن بعد يتم إنجاز العمل إما في وحدات داخل المقاولة لكنها منفصلة عن المكان التقليدي الذي ينجز فيه العمل بصفة اعتيادية، وإما في وحدات تابعة للمقاولة وبعيدة عن مقرات العمل التقليدية وغالبا ما تكون قريبة من مقر اقامة الأجير وتسمى بمراكز القرب.
• العمل عن بعد في مراكز العمل عن بعد Telle centre:
هي مواقع للعمل تتوفر بها كافة وسائل الاتصال والمعلومات التي تمكن أنماطا مختلفة من العاملين من الاعتماد عليها في إنجاز عملهم من هذا الموقع وعن بعد من القمر الرئيسي للمقاولة.
وعادة ما يتم إحداث تلك المراكز بالقرب من منازل الأجراء، بحيث يسهل الوصول إليها بتكاليف منخفضة من كافة العاملين، وتعرف بالمراكز المجاورة ويمكن أن تستخدم لأغراض مختلفة مثل التسوق عن بعد.
فبفضل التكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال، أصبح بالإمكان الاتصال بشكل مباشر بالزبون، والمحافظة عليه بمخاطبته بلغة تسويق مدروسة.
فالأنترنيت يمكن من غزو الأسواق بتكاليف منخفضة ومن المحافظة على الزبائن بتلبية طلباتهم بأقصى سرعة، ذلك أن البائع سيتمكن من تغيير قائمة العرض باستمرار ومن ملاحظة سلوك زبونه ومن التحاور معه ومن تم تقديم عروض مطابقة الحالة لكل زبون شخصيا.
• العمل عن بعد عبر الدول والقارات:
يتخذ صورتين أساسيتين كما يلي:
- العمل عن بعد عبر الحدود: وهو ينطبق بوجه عام على العمل عن بعد الذي يكون فيه مورد ومستقبل العمل في بلدان ذات حدود مشتركة.
- العمل عن بعد عبر البحار: وذلك عندما ينقل العمل إلى منطقة عمالة رخيصة، أو بيئة عمل أقل تشددا فيما يخص قوانين العمل.
وبالنظر إلى هذه الأمثلة وحالات أخرى كثيرة، فإنه من السهل التصريح بأن المسافات لم تعد موضوعا ذا اعتبار في عصر المعلومات.
فبفضل ما وفرته تكنولوجيا الإعلام والاتصال من تقنيات حديثة قربت المسافات واختزلت إلى حد إلغائها من الناحية العلمية، فأصبحت المسافة بين شاشة الحاسوب والعين هي المسافة الحقيقية بين الفرد وأصبح بإمكان الشخص إنجاز العمل من أي مكان دون الحاجة إلى التواجد في مكان العمل التقليدي، بغض النظر عن الأشخاص الذين يتعامل معهم.
فكانت النتيجة مزاولة العديد من الأنشطة المهنية عن بعد مثل: الترجمة، والمحاسبة، والتعليم حيت شهد العقد الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين تطورات سريعة ومتلاحقة في تكنولوجيا الإعلام والاتصال.
وقد انعكس هذا التطور على مجالات عديدة، كان منها التعليم، الذي أصبح يعتمد على هذه التقنيات وأصبح يسمى بالتعليم عن بعد.
كما أنه شكل التعليم عن بُعد ضرورة فرضتها العولمة وجائحة فيروس كورونا المستجد، حيث أشارت منظمة اليونسكو إلى أن أكثر من مليار و37 مليون طالب توقفوا عن الذهاب إلى مدارسهم بسبب إجراءات الحجر الصحي آنذاك.
وقد أطلقت المنظمة تحالفًا عالميًا للتعليم بهدف دعم الدول في توسيع نطاق أفضل حلول التعلم عن بعد، وضمان وصولها إلى الأطفال والشباب الأكثر هشاشةً وعرضةً للخطر.
ويمكن تعريف التعليم عن بعد بكونه عملية إيصال وتلقي المعلومات باستخدام التقنيات الحديثة كالحاسوب وأجهزة الهاتف المحمولة وأجهزة المساعد الرقمي الشخصي عبر شبكات الأنترنيت أو عبر شبكات الاتصالات اللاسلكية وذلك لأغراض العليم والتدريب وإدارة المعرفة.
وبالتالي فإن احتمالات نموه مستمرة مستقبلا بسبب مرونته واستجابته السريعة لعدد من احتياجات الأفراد وطبيعة ومتطلبات المجتمع، فكلما ازداد التطور التكنولوجي جلب معه المزيد من الامتيازات لهذا النوع من التعليم.
2- الطبيعة القانونية للعمل عن بعد
إن الوضع التعاقدي للعامل عن بعد يمكن أن يؤدي إلى العديد من الحالات الواقعية، ولكن في إطار عدد محدود من النظم القانونية.
في الواقع، وإن كأن في معظم هذه الحالات يتم تكييف العمل عن بعد على أنه عمل تابع أو عمل في المنزل، فإنه في حالات أخرى يكيف بأنه عمل مستقل، أي أن هناك وضعيات قانونية متعدد مرتبطة بهذا النوع من العمل: العامل عن بعد التابع، والعامل عن بعد من المنزل، والعامل عن بعد المستقل، لذا ينبغي التمييز بينها.
إن العناصر التي تشكل عقد الشغل ليست للوهلة الأولى معايير لتكييف نشاط العمل عن بعد عما إذا كان تابعا أم مستقلا؛ لأن بعض عناصر عقد الشغل موجودة أيضا في عقد العمل عن بعد المستقل وهي على وجه الخصوص العمل والأجر.
لذلك، ونظرًا لعدم كفاية عنصري العمل والأجر للتمييز بين العمل التابع والعمل المستقل، يظل عنصر التبعية هو العامل الأساسي والفاصل بينهما.
بحيث يباشر العامل عن بعد المستقل عمله على نحو مستقل ودون أن يخضع لأي إدارة أو إشراف من قبل المؤدى لحسابه العمل، فهو يقدم عمله إلى الجمهور أو لطائفة من العملاء، بينما العامل عن بعد التابع فهو يقدم عمله إلى المشغل الذي تكون له سلطة الإدارة أو الإشراف.
كما لا يتحمل العامل عن بعد التابع أية مسؤولية تجاه العملاء ولا يتحمل أية مخاطر اقتصادية على خلاف العامل عن بعد المستقل.

