جريمة تزييف وتزوير الشيك في القانون المغربي
![]() |
| جريمة تزييف وتزوير الشيك في القانون المغربي |
إن الصور التي يتعرض لها الشيك من تزييف وتزوير يشكل خطورة ومساس بالنظام القانوني لهذا الشيك، وما يترتب عن ذلك من جراء تلك الأفعال من مساس بالثقة في الشيك والحصول على أموال الغير دون أي وجه حق.
كما تعتبر من الجرائم المخلة بالثقة العامة.
وهي جرائم تحدث بشكل فوري وتقوم على العمد الناتج عنه إضرار بالغير وهو الامر الذي جعل المشرع يتدخل لأجل حماية هذه الورقة التجارية من العبث في مضمونها والمحافظة على مصداقيتها، وكذا سلامة تداولها وبعث الثقة في محتواها، والتصدي لمختلف الأوجه الغير القانونية للشيك.
وسنحاول الإجابة في هذا الموضوع عن كيف تعامل المشرع المغربي مع المسؤولية الجنائية لجرائم الشيك سواء من قبل الساحب أو المسحوب عليه أو المستفيد؟
أولا: جنحة تزييف أو تزوير الشيك
سيتم التعرف بداية على بيان المقصود بالتزوير والتزييف ثم نعرض لأنواع الشيكات المزورة بعدها لحالات تحقق جريمة تزييف أو تزوير الشيك.المقصود بالتزوير والتزييف
برجوعنا للقانون الجنائي باعتباره القانون المنظم للقواعد العامة، من خلال الفصل 351 منه يعرف التزوير كما يلي:" تزوير الأوراق هو تغيير الحقيقة فيها بسوء نية، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون".
وقد عرفه بعض من الفقه بأن التزييف أو التقليد هو "اصطناع شيء كاذب، ليشبه شيئا صحيحا كصنع شيك شبيه بالشيك الحقيقي."أنواع الشيكات المزورة
تنقسم أنواع الشيكات المزورة الى قسمين كما يلي:
- الشيكات المزورة أثناء التحرير
يقصد بهذا النوع من الشيكات المزورة، هي تلك الشيكات غير الصادرة على الساحب بشكل نهائي، كما لو ضاع دفتر الشيكات من عميل البنك أو سرق منه، فقام الشخص الذي وجده أو سرقه بتزوير توقيع الساحب.
- الشيكات المزورة أثناء التداول
بمعنى أن هذه الشيكات صدرت صحيحة ولكنها تعرضت للتزوير أثناء انتقالها من الساحب الى المستفيد أو وكيله، سواء عن طريقهما وقبل تقديمهم الى المصرف لصرف قيمتها لنفسهم أو عن طريق تظهير للغير الذي قام بالصرف بعد مرحلة التزوير.
حالات تحقق جريمة تزييف أو تزوير الشيك
لكي تتحقق أركان جريمة تزييف أو تزوير الشيك فإنه يجب أن يقع ذلك حسب الحالات التالية:
الحالة الأولى: اصطناع شيك مخالف للحقيقة أو إدخال تغيير عليهإن فعل اصطناع الشيك عن طريق التزييف أو التقليد، أو تغيير حقيقة بياناته باللجوء الى التزوير، يشكل عنصرا ماديا في جريمة تزييف أو تزوير الشيك وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة 3 من المادة 316 من مدونة التجارة.
ويحب أن يتم هذا الفعل بواسطة إحدى الوسائل المحددة بمقتضى المادة 354 من القانون الجنائي، وهذه الوسائل هي وسائل واردة على سبيل الحصر وليس المثال.وبالتالي فإنه سواء كان التغيير اللاحق بالشيك من جراء التزييف أو التزوير ماديا أو معنويا، فإن الجريمة لا تقوم إلا إذا مس الحقيقة التي يعبر عنها الشيك كسند، وليس هناك فرق في ذلك بينما إذا كان هذا السند موجودا قبل أن يلحقه التغيير وبين كون الجاني قد اختلقه من الأساس بواسطة التقليد ثم بعدها أدرج فيه بيانات كاذبة.
وأود الإشارة الى أن التزوير نوعان:
- التزوير المادي.
- التزوير المعنوي.
يقصد بالتزوير المعنوي ذلك التزوير الذي يتم بطرق غير مادية، بمعنى بطرق لا تترك أثرا في محرر الشيك يمكن إدراكه والتعرف عليه بالحواس.
فالتزوير المادي يمكن الكشف عنه والتعرف عليه من خلال عملية الفحص، أما التزوير المعنوي فيمكن التعرف عليه بكل سهولة عن طريق الخبرة.الحالة الثانية: اصطناع الشيك أو تغييره بسوء نية
إن جريمة تزييف أو تزوير الشيك تعد من بين الجرائم العمدية، وبالتالي فإن تحقق هذه الجريمة يقتضي أن تثبت سوء نية الفاعل، بمعنى أن تنصرف نية المزيف أو المزور الى طرح الشيك الذي لحقه التزييف أو التزوير في التداول، لكي تتحقق الغاية التي من أجلها قام بفعله.فلا يكفي في تحقق هذا النوع من الجرائم أن يتوافر القصد الجنائي العام لدى المزيف أو المزور، وإنما لابد من توفر القصد الجنائي الخاص كذلك.
وكما هو واضح فإن تطلب القصد الجنائي الخاص في هذه الجريمة فهو أمر بديهي، لكون أن الفاعل لا يجازف بالقيام بهذا النشاط الخطير دون أن يكون له هدف ما بغية الوصول اليه بنشاطه، وإلا يكون تصرفه بذلك فقط مجرد عبث يشكك حتى في قدراته العقلية.وإذا كان تطلب القصد الجنائي الخاص الى جانب القصد العام في هذه الجريمة، لا سبيل الى المناقشة فيه كشرط.
الحالة الثالثة: أن يلحق هذا الفعل الواقع على الشيك ضررا بالغير
من أجل قيام جريمة تزييف أو تزوير الشيك، يجب أن يترتب على اصطناع شيك غير حقيقي، أو على تغيير الحقيقة في شيك صحيح ضررا بالنسبة الى الغير.
كما تنص على ذلك المادة 351 من مجموعة القانون الجنائي على ما يلي:
ومن هنا يمكن القول بأن انتفاء هذا الضرر يؤدي الى عدم تحقق الجريمة في هذه الحالة بالرغم من قيام المزيف أو المزور بفعله عن سوء نية، على اعتبار أن إحداث الضرر بالغير يعتبر الركن الثالث في جريمة تزييف أو تزوير الشيك.
ثانيا: جنحة قبول تسلم شيك مزيف أو مزور مع العلم بذلك
لقد جاء بمقتضى الفقرة الرابعة من المادة 316 من مدونة التجارة على أنه:"4. من قام عن علم بقبول تسلم شيك مزور أو مزيف أو بتظهيره أو ضمانه ضمانا احتياطيا".
ويشترط في قابل تسلم الشيك المزور أو المزيف، في مظهره أو ضامنه الاحتياطي، أن يكون على علم بالتزييف أو التزوير، أن يكون هناك دليل قاطع على سوء نيته، أما في حالة كونه جاهلا بعملية التزوير أو التزييف فإنه يكون في هذه الحالة حسن النية، فلا يتعرض لا للمتابعة ولا للعقاب.وبمعنى آخر فإن هذه الجرائم الثلاثة (قبول تسلم شيك مزور أو مزيف-تظهيره – ضمانه ضمانا احتياطيا) هي جرائم عمدية معاقب عليها بمقتضى المادة السالف ذكرها أعلاه، من سنة الى الى 5 سنوات وبغرامة تتراوح ما بين 000 2 و000 10 درهم، دون أن تقل قيمتها عن 25% من مبلغ الشيك أو من الخصاص.
والأهمية القصوى لتجريم هذا الفعل من قبل المشرع المغربي، أن من شأن ذلك التضييق من دائرة المزيفين والمزورين، وكذا المشاركين والمتواطئين، هذه الدائرة التي تمس ثقة المتعاملين بالشيك بصفة خاصة، والمعاملات الاقتصادية والتجارية على وجه العموم.
ثالثا: جنحة استعمال أو محاولة استعمال شيك مزور أو مزيف عن علم بذلك
إن جريمة استعمال او محاولة استعمال شيك مزيف أو مزور عن علم بذلك لهي جريمة مستقلة وقائمة الذات عن جريمة تزييف أو تزوير الشيك، وأساس هذه الجريمة في الفقرة الخامسة من المادة 316 مدونة التجارة:
"يعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات وبغرامة تتراوح بين 000 2 و 000 10، دون أن تقل قيمتها عن خمس وعشرين بالمئة من مبلغ الشيك أو من الخصاص.(...)
5. من استعمل عن علم أو حاول استعمال شيك مزيف أو مزور؛ (...)".
وهذه الجريمة تقوم على ثلاثة أركان وهي كالاتي:
فعل الاستعمال أو محاولة الاستعمال والشيك بمفهومه الجنائي، والقصد الجنائي.
الركن الأول: فعل الاستعمال أو محاولة الاستعمال
برجوعنا الى مقتضيات القانون الجنائي علة وجه الخصوص في المادة 114 نجده عرف مفهوم المحاولة بقوله:
"كل محاولة ارتكاب جناية بدأت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها، تهدف مباشرة الى ارتكابها، إذا لم يوقف تنفيذها أولم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها، تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة".
وبما أن الفصل المذكور أعلاه يتحدث عن الجناية، إلا ان م يهمنا من خلاله هو التفسير القانوني للمحاولة، أما فيما يخص العقوبة على المحاولة في الجنح فإنها تكون بمقتضى نص خاص في القانون،ومسألة العقوبة المتمثلة في فعل أو الاستعمال أو محاولة الاستعمال لشيك مزيف أو مزور فيجد أساسه في المادة 316 كما سبق التطرق اليها سابقا.
أما الاستعمال فيقصد به الاستخدام الارادي والطوعي للشيك المزيف أو المزور، وإيهام الغير بسلامته وصحته، إلا أن التشريع يعاقب على الاستعمال الفعلي الارادي والاختياري لا مجرد الحيازة البريئة.
الركن الثاني: الشيك بمفهومه الجنائي
كما هو معلوم أن الشيك الذي تتوافر فيه كافة البيانات الإلزامية التي يتطلبها قانون التجارة أنه يعاقب على إصداره إذا لم يكن له مقابل وفاء قابل للصرف، إلا ما هو مستقر عليه أن الحماية الجنائية للشيك لا تتطلب أن يكون الشيك مستوفيا لكافة شروط صحته في قانون التجارة.لذلك فإن القضاء استقر على وقوع الجريمة رغم بطلان الشيك في بعض الأحوال، كما أن المعيار المعتمد في قيام الجريمة أن يكون مظهر الشيك وصيغته يدلان على أنه مستحق الأداء بمجرد الاطلاع، وأنه أداة وفاء وليس أداة ائتمان، وألا يكون هذا الشيك قد تحول قانونا الى ورقة تجارية أخرى.
الركن الثالث: القصد الجنائي
يشترط في توفر القصد الجنائي أن يكون من يستعمل شيكا مزورا أو يحاول استعماله أن يكون عالما بأن ورقة الشيك التي يستعملها أو يحاول استعمالها في الغرض الذي أعدت من أجله أنها مزورة أو مزيفة، فإذا انتفى عنصر العلم فإن الجريمة لا تتحقق بسبب انعدام القصد الجنائي.
