الاستراتيجيات الوطنية والدولية لتقليص الفجوة الرقمية
✍ تشكل الفجوة الرقمية من بين الاثار الخطيرة والحادة المترتبة عن ظهور الاقتصاد الرقمي والتطور المذهل والسريع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ما يسمى بالفجوة الرقمية numérique fracture، والمتعلقة بدرجة الانتفاع والنفاذ الى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
بحيث نجد أن الدول العربية ومنها المغرب نفسها في مراتب متأخرة جدا فيما يخص درجة الانتفاع مقارنة مع الدول المتقدمة نقسها.
![]() |
| الجهود الوطنية والدولية في تقليص الفجوة الرقمية |
ولذلك تعمل مختلف الدول والحكومات والقوى الفعالة في المجتمع من دراسة هذه المشكلة ومحاولة التصدي لها والاهتمام بها بشكل فعلي، من خلال سعيها وراء تحقيق الفجوة الرقمية بين الدول.
خاصة منها الدول العربية، والتي أضحت مطالبة اليوم بتجاوز معيقات التنمية، والعمل على تحقيق الأهداف الانتمائية، والتي ستكون مرهونة بالوصول الى هدف الشمول الرقمي.
ومن خلال دراستنا لهذا الموضوع فإننا سنبين مفهوم الفجوة الرقمية بداية، على أن نتطرق الى تجربة المغرب ومختلف التجارب الناجحة في تقليص الفجوة الرقمية.
مفهوم الفجوة الرقمية
لقد أثر التطور السريع في المجال التكنولوجي على انبثاق مصطلحات جديدة من بينها "الفجوة الرقمية"، هذا الأخير المرتبط بالاقتصاد الرقمي ظهر لكي يعبر عن التفاوت في درجة الاستفادة من تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بين مختلف الدول أو بين مناطق كل دولة، إذن فما المقصود بالفجوة الرقمية؟ وما هي أسباب نشوئها؟
نشأة الفجوة الرقمية
ساهمت الانترنيت بشكل فعال في العديد من المجالات، وانتشارها الحقيقي بدأ في النصف الثاني من سنوات التسعينيات ابتداء من نشوء برنامج متصفح للصور عبر الويب سنة 1993، ثم بعد ذلك ليزداد استخدامها في الولايات المتحدة الامريكية لتمتد بعدها في جميع أرجاء العالم.
وفي سنة 1995 ظهر أنذاك مصطلح جديد في الولايات المتحدة الامريكية بعد صدور تقرير وزارة التجارة الأمريكية الشهير بعنوان "سقوط من فتحات الشبكة" والذي ألقى الضوء على اختلافات كبيرة بين فئات المجتمع الأمريكي في استخدام التكنولوجيا الحديثة خاصة الكمبيوتر.
سواء من حيث اللغة أو الدخل أو الجنس او المنطقة.. الى غير ذلك من الاختلافات، ويطلق على هذا المصطلح باسم الفجوة الرقمية dévide digital"، لينتشر هذا الأخير بمختلف أنحاء العالم مع انتشار مختلف التقنيات الحديثة.
المقصود بالفجوة الرقمية
حسب " مانويل كاستل manuel castels" يطلق لفظ "الفجوة الرقمية" كمفهوم شائع لمعالجة هذه المسألة والتي تعني "عدم تكافؤ الطبقات الاجتماعية على الوصول والتكيف وخلق المعرفة من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات".
وهناك من عرف أيضا الفجوة الرقمية بأنها هي "التفاوت الذي يكون ما بين مختلف عناصر المجتمع سواء الأفراد والأسر والشركات الجغرافية أي على مستوى الإقليمي، الاجتماعي، والاقتصادي في فرص الحصول على تقنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستخدام الانترنيت في مختلف الأنشطة، والتحكم فيها".
استراتيجية المغرب والدول المقارنة من أجل تقليص الفجوة الرقمية
إن تقليص الفجوة الرقمية سواء في المجتمع الواحد أو بين الدول عن طريق حصول الأفراد على أدوات عصر المعلومات هو تحقيق للعدالة الرقمية.
استراتيجية المغرب لتقليص الفجوة الرقمية
- التداعيات الاقتصادية والدولية
- التوجه العالمي نحو المجتمع الرقمي أو الافتراضي، والذي يتطلب قاعدة تكنولوجية، وتجهيزات قاعدية من أجل الاندماج في مجتمع المعرفة.
وبالتالي فالتمكن من اللغة الرقمية لهو مفتاح للدفع بعجلة التنمية. فمؤشر التنمية حاليا هو مؤشر تكنولوجي بحث لأن المفهوم التقليدي تم تجاوزه، ليتم الحديث اليوم حول تنمية العقل البشري في مرحلة المجتمع الافتراضي اللّاورقي، أو في مرحلة الانسان الرقمي.
ما يؤكد كلامنا حول الفجوة الرقمية هو التقرير الصادر من طرف الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات سنة 2016، والذي تميز بإجراء بحث ميداني حول قياس الفجوة الرقمية، من خلال استعمال تكنولوجيا الاعلام والاتصال، بحيث استهدفت الدراسة الأسر المقيمة بالوسطين الحضري والقروين، وذلك باستطلاع لعينة ضمنت 2520 ما بين الأفراد والاسر.
التجارب المقارنة في تقليص الفجوة الرقمية
ثمة العديد من التجارب التي نجحت سياستها في تقليص هذه الفجوة الرقمية، ومن أمثلتها: دول آسيا التي تميزت بطابع اقتصادي ضعيف، إلا أنها حاولت في العقدين الماضيين بخوض تجارب واتباع أساليب ساهمت في تضييق هذه الفجوة، بإطلاقها لمشاريع عملاقة تسمى بــ" المدن الذكية التي تعتمد على التقنيات الرقمية".
![]() |
| الجهود الدولية لتقليص الفجوة الرقمية |
وهي مشاريع الغاية منها هو تخطي الفجوة الرقمية، وانتقالها الى الاقتصاد المعتمد على المعرفة، وتوطين هذه التقنيات والعمل على إنتاجها.
وسيتم التطرق بداية لاستراتيجية ماليزيا الناجحة في تقليص هذه الفجوة الرقمية، ثم بعدها لتجربة كل من الدولة الصينية والامارات العربية المتحدة في هذا الشأن.
1- مشروع ماليزيا الرائد في تقليص الفجوة الرقمية
يهدف مشروع ماليزيا الرئد "Multimédia Super Corridor"، الذي أطلقته ماليزيا في سنة 1996 الى الانتقال من دولة صناعية بعدما كانت دولة زراعية الى دولة معلوماتية اقتصادها معتمد على المعرفة.
ومن بين الأهداف الرئيسية هو جذب وتوطين تقنية صناعة المعلومات لتصبح فيما بعد مصدرة لها، وتكتسب الخبرة من خلال اعتمادها على أسلوب البحث والتطوير.
فقامت بربط مدة تنفيذ المشروع مع مدة تنفيذ البنية التحتية، خاصة في مجال الاتصالات ومجال البناء المعماري، بحيث أن ذلك الأمر احتاج الى استثمار أموال ضخمة لبناء مدينتين جديدتين مزودتين بأحدث التقنيات ومتكاملتي المرافق.واليوم يعتبر من أهم المواقع التقنية الرقمية في العالم يقود ماليزيا الى انتاج معتمد على الاقتصاد الرقمي.
كما عملت دولة ماليزيا على تقسيم المشروع الى ثلاث مراحل كل مشروع على حدة وما يتحقق فيه، من أجل ضمان التقدم والنجاح المستمر، كما أنه في نهاية المشروع تطمح ماليزيا لأن تكون دولة معلوماتية ذكية، وأعطت أولويات لإنجاز مشاريع من بينها:
- الحكومة الالكترونية.
- البطاقات متعددة الاستعمالات.
- المدرسة الذكية.
- التجارة الالكترونية.
2- استراتيجية الصين في تقليص الفجوة الرقمية
كانت في سنة 1990 شبكات الهواتف الصينية ضئيلة، لتحتل المرتبة 159 بين البلدان، في حين ارتفعت الكثافة الهاتفية لدولة الصين من 17.8 الى 2000، والى 22.1 في سنة 2003، لتحتل بذلك المرتبة ال 95 بين مختلف الدول سنة 2000، وتجدر الإشارة الى أن تقدمها كان بسبب ثلاث مساهمات وهي كما يلي:
- الانفتاح العام للاقتصاد الصيني.
- تركيز الحكومة على الاتصالات السلكية واللاسلكية.
- البنية التحتية الاستراتيجية والدخول في مجال المنافسة.
فبعدما انتقلت الصين ال الأسوق المفتوحة في سنة 1980، ارتفع خلالها الناتج المحلي الإجمالي للفرد من 1.596 دولار في سنة 1998 الى 5.085 دولار في سنة 2004، هذه الفترة التي عرفت ارتفاعا للواردات والصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر، وهو الامر الي أتاح لها التوجه نحو اقتصاد تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.
وفي عام 1996 قام مجلس دولة الصين بربط جميع عواصم المقاطعات بالانترنيت، وهو الأمر الذي أدى لارتفاع نسبة المنافسة في كل عاصمة في غوضن سنة فقط، وهي استراتيجية ابعتها الصين، بتخصيص الموارد من أجل التنافس وتحفيز النمو والكفاءات.
ونتيجة لتضارب المصالح بين المنافسين أصبحت الحاجة ملحة الى إيجاد نظام جديد واستراتيجية متماسكة للاستثمار في الشبكات، وكان ذلك عن طريق إنشاء وزارة صناعة المعلومات في سنة 1998، ومن بين مهام هذه الوزارة كما يلي:
- القيام بدراسة وصياغة استراتيجيات الدولة لتنمية صناعة المعلومات والسياسات العامة والخاصة.
- وضع القوانين والقواعد واللوائح للمنتجات الالكترونية، ومنتجات المعلومات والاتصالات وصناعة البرمجيات.
- وضع سياسات التقنية والنظم ومعاير لصناعة منجات المعلومات الالكترونية والصناعات التحويلية، والاتصالات وصناعة البرمجيات، والأنظمة التقنية ومعايير شبكات الاتصالات.
- جعل التخطيط شاملا لشبكة الاتصالات العامة للدولة، بما في ذلك المحلية وبعيدة المدى، وشبكة الراديو والتيليفون والاتصالات السلكية واللاسلكية الخاصة بالإدارة العسكرية وغيرها.
- الاشراف على سوق خدمات المعلومات والاتصالات طبقا للقانون، وفحص واعتماد تراخيص لخدمات المعلومات والاتصالات، والاشراف على جودة الخدمات.
وبالتالي فإنه يمكن القول بأن إرادة الدولة للاستثمار في أولويات تنمية الاتصالات قد أثبتت جدارتها، وتوجه دولة الصين للأنترنيت رغم تأخرها لم يكن بمشكلة كبيرة، فالانفتاح الاقتصادي والاستثمار في وقت مبكر في بنيتها التحتية مهدت الطريق لانتشار الانترنيت السريع.
3- تجربة الامارات العربية المتحدة في تقليص الفجوة الرقمية
من بين أبرز جهود دولة الامارات في سبيل تعزيز التحول الرقمي ومعالجة التحديات لسد الفجوة الرقمية كما يلي:
- حوسبة الجهات الحكومية.
- معدل استخدام الخدمات الذكية.
- رضا المتعاملين عن الخدمات الذكية.
- الاتصال بالأنترنيت والقدرة المالية.
بحيث سيتم التفصيل بشأن هذه الجهود كل على حدة فيما يلي.
1. حوسبة الجهات الحكوميةقامت دولة الامارات في سنة 2013، من خلال حكومتها بإطلاق خارطة طريق طموحة للتحول من الخدمات الالكترونية الى الخدمات الذكية خلال سنتين، حيث تم الإعلان عن "رؤية الحكومة للمستقبل "بعد اجتماع المسؤولين في الحكومة.
وقامت الحكومة بوضع هدف تحويل الخدمات ذات الأولوية الى خدمات الكترونية بنسبة 100% عبر قناتين هما:
- المواقع الالكترونية.
- تطبيقات الهواتف الذكية.
وفي سنة 2015، حققت دول الامارات نسب كبيرة من الحوكمة الذكية أو ما يسمى ب"التحول لخدمات ذكية"، بحيث ساعدت 96.3% من الخدمات الحكومية والبالغة 337 خدمة من الخدمات اليومية في التحول الى حكومة ذكية وتقديم خدمات ذكية.
2. معدل استخدام لخدمات الذكيةلقد وصلت الجهات الحكومية الى الجمهور باستخدام أدواتٍ مختلفة مثل التسويق، وتقنيات التلعيب، وخدمة العملاء على مدار الساعة، وهو الامر الذي ساعد في زيادة معدل استخدام الخدمات الإلكترونية.
ومسألة الرفع من استخدام الخدمات الالكترونية في الجهات الحكومية خلال السنوات الثلاث الماضية، كان تحديا كبيرا أمام الحكومة لتشجيع جمهور المتعاملين على التحول من الخدمة اليدوية الى الخدمات الالكترونية.
كما عملت جل الجهات الحكومية بجد من أجل تبسيط هذه الخدمات الالكترونية، لكي يتمكن جميع الأشخاص من استخدامها بسهولة تامة مع اختلاف قدرات كل منهم.
3- رضا المتعاملين عن الخدمات الذكيةكما أن حكومة دولة الامارات وضعت بعين الاعتبار وضمن أولويتها رضا المتعاملين عن هذه الخدمات الذكية.
فعندما أطلقت مبادرة ممكنات الحكومة الذكية، ومنذ سنة 2015 ارتفع مؤشر سعادة المتعاملين بشأن الخدمات الذكية التي تقدمها الجهات الحكومية بشكل كبير.
وأسباب ذلك تكمن في زيادة مستوى الوعي بالخدمات الذكية بين المتعاملين، فضلا عن تحسن جودة المواقع الالكترونية وجودة الخدمات الذكية، التي كانت من ضمن أهداف الحكومة الذكية.
4. الاتصال بالأنترنت والقدرة الماليةإن دولة الامارات تعتبر من أكثر الدول اتصالا بالأنترنت، بحث وصل معدل استخدامها في دولة الامارات الى 95% سنة 2017، بعد أن كان بنسبة 91% في سنة 2016 حسب تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات الذي يقيس مجتمع المعلومات.
وقد وصل عدد مشتركي الانترنت في دولة الامارات الى أزيد من مليون وثلاثمائة ألف (000 300 1) مشترك في نونبر 2018، كما وصلت نسبة المتصلين بالنطاق العريض منهم الى أكثر من 99% ، كما أن دولة الامارات تتميز بكونها واحدة من الدول التي تعرف أعلى معدلات في انتشار الهواتف الذكية.
☚ وأخيرا يمكن القول أنه من أجل تحقيق التحول الرقمي بنجاح، فإنه لابد من سد الفجوة الرقمية، التي تمثل أحد التحديات بالنسبة لأي دولة تهدف الى تحقيق تحول رقمي بنسبة 100% لجميع الخدمات الحكومية وتعزيز نمط الحياة الالكتروني.

