الشكل المادي للعقد الالكتروني وشكلية النفاذ
في إطار التطور التكنولوجي المتسارع الذي يعرفه العالم، فقد أصبح التعاقد الالكتروني جزءا لا يتجزأ عن المعاملات اليومية، وهو الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في مفاهيم الشكلية التقليدية للعقود.
![]() |
| الشكل المادي للعقد الالكتروني وشكلية النفاذ |
بحيث أن التعاقد لم يعد محصورا في الورق والتوقيع اليدوي، بل إن الأمر امتد ليشمل مسألة التبادل الالكتروني للبيانات، والمنصات الافتراضية والتوقيعات الرقمية، ومن هنا تظهر أهمية دراسة الشكل المادي للعقود الالكترونية والمتطلبات القانونية الضامنة لسريان آثار العقد(شكلية النفاذ) باعتباره ملزم للأطراف.
الشكلية في العقود الالكترونية
نظرا للتطورات التي عرفتها عملية التعاقد في عصر العولمة، نتيجة ظهور وسائل اتصال وتعاقد حديثة لم تكن معروفة من قبل وأمام الانتشار الواسع للتجارة الالكترونية وتزايد الإقبال على العقود الالكترونية.
ظهرت الحاجة إلى تعديل النصوص المنظمة لعملية التعاقد المستجدات المعلوماتية وسوف نقف عند الشكلية الواجب احترامها في العقود الالكترونية عن طريق الكتابة الالكترونية من جهة والتوقيع الالكتروني من جهة ثانية.
الكتابة في العقد الالكتروني
بالنسبة للعقد الالكتروني، فإن الإشكال يثار حول ما إذا كانت الشكلية تقتصر على الكتابة الموثقة في دعامة ورقية، أم تتمد لتشمل الكتابة الالكترونية.
وبالرجوع إلى التعديلات التي أدخلها المشرع المغربي على قانون الالتزامات والعقود بموجب القانون رقم 53.05 المنظم للتبادل الالكتروني أما في شكل محرر رسمي أو محرر عرفي قد سار في اتجاه إقرار المساواة بين الكتابة الالكترونية والكتابة التقليدية وهو ما سيتضح من خلال الفصل 141.155 من ق ل ع.
غير أن القانون المغربي وأن سلك نفس التوجه الذي أخذ به القانون المقارن من حيث المساواة بين الكتابة التقليدية والكتابة الالكترونية، فإنه يعتبر الكتابة الالكترونية المستوفية لشروط الفصلين 417/1 و 417/2، فقط شكلية إثبات بدليل أن المشرع لم ينص عليه بشكل صريح كشكلية انعقاد.
بل استبعدها من نطاق التصرفات التي تعد الكتابة فيها ركنا في العقد وهو ما سيتضح بشكل جلي باستبعاد بعض العقود والمعاملات من نطاق العقد الالكتروني.
استثنى المشرع بعض التصرفات من دائرة العقود الاكترونية وهو ما سيتضح من خلال الفقرة الثالثة من الفصل الثاني من قانون الالتزامات والعقود.
1) العقود المتعلقة بمدونة الأسرة: حيث حافظ المشرع على طابع الكتابة التقليدية في مسائل متعلقة بمدونة الأسرة مثل عقد الزواج، والطلاق أو إراثة أو إقرار النسب أو نفيه إضافة إلى قضايا الحالة المدنية،
وهنا تميز المشرع حينما استثنى هذه التصرفات الشخصية المحضة من دائرة العقود الالكترونية كونها لا علاقة لها بالمعاملات التي تكتسي صبغة التجارة الالكترونية وانسجاما مع مقتضيات الشريعة الإسلامية.
2- العقود العرفية موضوع الضمانات الشخصية والعينية في الميدانين المدني والتجاري باستثناء المحررات المنجزة من طرف شخص لأغراض مهنية.
نظرا لأهمية كل من الضمانات الشخصية مثل الكفالة، والضمانات العينية مثل الرهن الرسمي، سواء على مستوى الائتمان، وتوفير السيولة، فإن المشرع المغربي استلزم شكليات معينة في توثيقها مستبعدا اعتمادها ولكن فقط من نطاق الكتابة الالكترونية العرفية، ما لم تكن منجزة من لدن شخص لأغراض مهنته، أي أن احتمال توثيقها بكتابة رسمية الكترونية يبقى واردا.
التوقيع الالكتروني في العقود
إن التوقيع الالكتروني يعتبر عملية فنية معقدة يُلزم في ترتيب أثاره فقط أن تتوفر الشروط المحددة بمقتضى القانون رقم 53.05، بل إنه لابد من مراعاة الشروط التقنية والفنية التي تحددها الجهات المختصة.
لم يعط المشرع المغربي صراحة أي تعريف للتوقيع الالكتروني عند تنظيمه لأحكام العقد الالكتروني أما الفقه فيعرفه بأنه مجموعة من الرموز والأرقام والحروف الالكترونية التي تدل على شخصية الموقع دون غيره,
لكن بمقابل فقد حدد المشرع شروع لا بد من توفرها لصحة التوقيع الالكتروني أن يكون التوقيع خاص بالموقع، وتم إنشاؤه بوسائل تمكن للموقع الاحتفاظ بها تحت مراقبة خاصة وكان من أجل ضمان وجود ارتباط الوثيقة المتصلة به وذلك بكيفية تؤدي إلى الكشف عن أي تغيير لاحق أدخل عليها وفق ما هو منصوص عليه حسب منطوق المادة 6 من القانون رقم 53.05.
1) أشكال التوقيع الالكتروني:
يظهر التوقيع الإلكتروني في عدة أشكال وصور وهي:
- التوقيع الرقمي أوالتوقيع بالقلم الإلكتروني عن طريق الكتابة على شاشة الحاسوب: وذلك من برنامج معين يقوم بالتقاط التوقيع والتحقق منه.
- التوقيع بالخواص الداتية (البيوميتري): ويعتمد هذا النوع من التوقيع على تخزين الخصائص الجسدية للشخص الموقع عن طريق التشفيرفي ذاكرة الحاسوب، وهي: البصمة الشخصية مسح العين البشرية ، والتحقق من مستوى نبرة الصوت، وخواص اليد البشرية وبالتالي فهولا يخلو من مخاطر نسخه ومهاجمته من طرف قراصنة الحاسوب.
2) مدى حجية التوقيع الالكتروني في الإثبات
لقد نهج المشرع المغربي بدوره نهج باقي التشريعات نهجا إيجابا من خلال إصداره لقانون التبادل الالكتروني للمعطيات وتطرق من خلاله إلى معاكسة التوقيع الالكتروني.
وأضفى عليه حجية قانونية واعتماده كوسيلة للاثبات لكن شريطة توفر الشروط المنصوص عليها في نفس القانون وكذا المنصوص عليها في المواد 6 و7 و8 و9 و10 و11 من الفرع الأول من القسم الثاني من القانون رقم 53.05 الذي يتعلق بنتظيم مسألة التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية.
![]() |
| الشكل المادي وشكلية نفاذ العقد الالكتروني |
وهذا التوقيع يخضع للمصادقة عند توفر الشروط السالف ذكرها، من قبل السلطات الوطنية المكلفة باعتماد ومراقبة المصادقة الالكترونية، حتى يتمتع هذا التوقيع الالكتروني بالحجية، واعتماده بالتالي كأداة من أدوات الإثبات القانونية.
شكلية نفاد العقود
وإلى جانب شكلية الاثبات، فإن المشرع المغربي نص على حالات أخرى اشترط فيها شكلا معينا لجعل التصرف نافذا، في مواجة الغير وهي ما سنتطرق إليه في (الفقرة الثانية) بالإضافة إلى الكتابة الشكلية للعقد التي أقرها المشرع هناك شكلية من أجل نفاذ العقد. فما المقصود بشكلية نفاذ العقد؟ ثم ما هي بعض شكليات نفاذ بعض العقود ؟.
مفهوم شكلية نفاذ العقود
المقصود بشكلية النفاذ هي التي يشترط القانون لكي ينتج العقد أثاره في مواجهة الغير ولا تأثير لها على وجود العقد أو صحته لكن اشترطها المشرع في حماية للغير من تصرف لا يعلم به أو لم يكن في في وسعه أن يعلم بل أكثر من ذلك.
قد يوفق القانون إنتاج العقد لبعض أثاره بين المتعاقدين أنفسهما على استنفاد هذه الشكلية بل قد يخضعان للتغريم في حالة عدم احترامهما.
ويعتبر تسجيل العقود الخاضعة لأداء واجبات التسجيل الضريبة من أهم شكليات نفاذ العقد بحيث بمجرد تسجيله ينتج أثاره في مواجهة الغير كما أن التسجيل يمنح للعقود العرفية تاريخا ثابتا، وذلك حسب ما جاء في الفصل 425 من قانون الالتزامات والعقود.
وبالإضافة إلى التسجيل كشكلية لنفاذ بعض العقود هناك ثبوت تاريخ المحررات العرفية حيث تثبت صفة الرسمية لسائر المحررات التوثيقية التي تكتب بطريقة صحيحة وفق الشكل المحدد قانونا بحيث تعتبر حجة قاطعة في الإثبات بدون الحاجة الى إقرار الطرف الملتزم بنسبتها إليه.
ويتم إثبات تاريخ الورقة العرفية طبقا للفصل 425 من قانون الالتزامات والعقود ونجد كذلك الرخص الإدارية المتطلبة لنفاذ بيوع معينة.
كما هو الحال بالنسبة للبيوعات العقارية التي لا تخفى أهميتها، الأمر الذي حد بالمشرع إلى تطلب ترخيص إداري أحيانا لنفاذها إزاء الغير، وإمكانية تقييدها بالرسم العقاري.
نماذج لبعض العقود التي تستوجب شكليةً لنفاذها
لقد أوجب المشرع شكلية معينة لنفاذ بعض العقود وذلك لترتيب آثارها، بحيث اعتبر التسجيل شرطا لنفاذ العقد في مواجهة الغير كما هو الأمر بالنسبة لنص الفصل 489 قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه على أنه " إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ.
وفي مواجهة الغير لا يكون له أثر إلا في حالة تسجيله وفق الشكل المحدد بمقتضى القانون.
يتضح لنا من هذا النص أن المبيع الذي يقع على عقار أو حقوق عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهننا رسميا لا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل وفق الشكل المحدد له قانونا.
وهي نفس الصياغة التي اشترطها المشرع بالنسبة لبعض العقود الناقلة للملكية كما هو الشان في عقد المعاوضة حسب ما ينص عايه الفصل 620 من قانون الالتزامات والعقود الذي أوجب تطبيقا لأحكام الفصل 489.
وفي نفس السياق، نجد المشرع في ظهير الالتزامات والعقود ينص في الفصل 1104 على أنه:
" إذا شمل الصلح إنشاء أو تعديل حقوق واردة على العقارات أو غيره من الأشياء التي يجوز رهنها رهنا رسميا وجب إبرامه كتابة ولأن يكون له أثار في مواجهة الغير ما لم يسجل بنفس الكيفية التي يسجل بها البيع".
ونفس الأمر كذلك يكون في حالة ما كان محل الشركة عقارات يمكن رهنها رهنا رسميا حسب ما بينه الفصل 987 من قانون المسطرة الجنائية.
كما حدد المشرع مجموعة من البيوعات التي تتطلب الرخص الإدارية لنفاذها ومنها على سبيل المثال:
حالة بيع بقعة أرضية في تجزئة عقارية، ذلك من خلال القانون رقم 25.90 الذي يأمر كل من الموثقين والعدول وإدارة الضرائب والتسجيل والمحافظة العقارية، لعدم تحرير أو تلقي أو تسجيل آية عملية من أجل بيع البقعة الأرضية قبل حصول التسليم المؤقت الذي يعتبر البداية في انطلاق المعاملات في التجزئات العقارية والمجموعات السكانية.
ثم بعد ذلك تطبق مقتضيات الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود، كما أن تمام البيع الواقع على الأراضي الفلاحية في الدوائر السقوية يتوقف على ترخيص إداري ونفس الشأن بالنسبة لمجموعة من البيوعات منها:
- بيع الأراضي على الشياع في الدار الحضري.
- استصدار وصل لإبراء من أداء ضرائب العقار المبيع.
- بيع الأراضي في التعاونيات السكنية.
وأخيرا يمكن القول بأن المشرع المغربي حاول ضبط المعاملات الاكترونية، من خلال القانون المنظم للتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، والمرسوم الخاص بتطبيق بعض مواده، كما يجب على المشرع إعادة النظر في قانون رقم 53.05، وذلك بضبط المصطلحات المستعملة، وتعريفها تفاديا لأي غموض.

