الشكليات المتطلبة لصحة العقد
إن المقصود بشكلية الانعقاد تلك التي يتطلبها القانون لانعقاد العقد، بحيث إذا تخلفت الشكلية المطلوبة ترتب عن ذلك بطلان العقد، لأنها ركن من أركان انعقادها.
![]() |
| الشكليات المتطلبة لصحة العقد |
قد جعل المشرع المغربي لصحة انعقاد بعض العقود بالإضافة إلى تحقق الشروط الموضوعة المنصوص عليها في الفصل الأول من قانون الالتزامات والعقود، توفر شكل معين للإعتداد بصحتها شأن العقود الشكلية من جهة، وشكلية الإثبات وشكلية النفاذ من جهة ثانية.
توفر شكلية معينة للإعتداد بصحة العقود
ماذا نقصد بالعقود الشكلية
العقود الشكلية هي العقود التي لا يكفي لانعقادها وترتيب الآثار المتوخاة منها مجرد التراضي عليها، وإنما يجب فضلا على هذا التراضي إفراغه في شكل يحدده القانون، وذلك تحت طائلة البطلان، أو بتعبير آخر فإننا نكون بصدد عقد شكلي عندما يكون الشكل مفروضا كشرط لصحة هذا العقد.
وللإشارة فإن تراجع أو تقييد مبدأ سلطان الإرادة من طرف المشرع وجعله يفرض شكلا بانعقاد، كما هو الحال بالنسبة للعقود الشكلية، قائم على أساس بلوغ غايات معينة، تتجلى أهمها في ضمان استقرار العامل ووضع تامين حمائي لطرف الضعيف في التعاقد وذلك فضلا عن تمكين المجتمع من مراقبة العقود والتصرفات.
وما أكثر أمثلة هذه الحالات في القوانين الحديثة بحيث يمكن أن نتحدث عن انتعاش للشكلية، فما هي شكلية انعقاد بعض العقود؟
الشكليات المتطلبة لانعقاد بعض العقود
تعد الكتابة من أهم الشكليات المتطلبة لانعقاد بعض العقود، حيث أحيانا يجوب المشرع الكتابة كشرط شكلي لازم لصحة العقد، كما هو الشأن بالنسبة لبيع العقار أو الحقوق العقارية حيث نص الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود بحيث أنهفي حالة ما إذا كان المبيع إما عقارأو حقوق عقارية أو أشياء يمكن رهنها رهنا رسميا.
فإنه يجب في تلك الحالة أن يجري البيع كتابةً في محرر ثابت التاريخ، كما أنه لا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سُجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون.
ففي ظل هذا الفصل أعلاه نجد أنه لا يكفي مجرد التراضي ثم الإتفاق على الثمن، ولم يقم الطرفان بتحرير هذا البيع فإنه لا بيع هناك، ونعتقد أن شرط الكتابة في بيع العقار والحقوق العقارية والأشياء القابلة للرهن الرسمي من الأمور الشكلية، التي عند تخلفها يعتبر البيع المتفق عليه عقد معدوما ولا وجود له من الناحية القانونية.
كما أن صياغة هذا الفصل هي نفسها التي اشترطها المشرع في ظهير الالتزامات والعقود بالنسبة لغير البيع من العقود الناقلة للملكية كما في عقد المعاوضة (حيث أحال الفصل 620 إلى الفصل 489) وعقد الشركة (الفصل 987) وعقد الصلح (الفصل 1104).
فإذا كان موضوع هذه العقود ما ذكر من العقار ونحوه يجب أن يكون العقد مكتوبا وأن يشهر لكي ينتج آثاره في مواجهة الغير، ونفس الشيء بالنسبة لبيع السفن والطائرات والأصول التجارية، حيث اوجب المشرع الكتابة كشرط للانعقاد.
بالإضافة إلى ذلك فإن المشرع يتطلب في كثير من المناسبات، شكلية خاصة تتمثل في ضرورة تحرير هذه التصرفات من قبل أشخاص حددهم القانون بشكل دقيقة.
كما أن يعتبر أيضا بيع العقار في طور الإنجاز المنظم بمقتضى القانون رقم 44.00 عقدا عقد شكلي سواء كان الأمر متعلقا بالعقد الابتدائي أو النهائي، حيث ينص الفصل 613/3 مكرر من قانون رقم 44.00 على وجوب تحرير عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز إما:
- في محرر رسمي.
- أو بموجب عقد ثابت التاريخ ( بحيث يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة يخول لها قانونها تحرير العقود وذلك تحت طائلة البطلان).
أما فيما يخص العقد النهائي فإن الفصل 16/618 قد نص على أن العقد النهائي، يبرم وفقا لمقتضيات الفصل 618/3 المشار إليه أعلاه، وذلك بطبيعة الحال بعد أداء المبلغ الإجمالي للعقار أو مبلغ الجزء المفرز من العقار الذي هو محل عقد البيع الإبتدائي.
فمن خلال استقراء الفصلين 618-3 و 618-16 فإن عدم احترام هذه الشكلية يكون عقد بيع عقار في طور الإنجاز تحت طائلة البطلان كما هو الحال بالنسبة للإيجار المفضي إلى تملك العقار المنظم بقانون 51.00 حيث ينبغي احترام عقد الإيجار المفضي إلى تملك العقار:
- إما في وثيقة رسمية.
- أو في وثيقة عرفية حسب الفقرة الأولى من المادة 6 من نفس القانون.
وكذلك بيع الشقة في إطار الملكية المشتركة حيث نصت المادة 12 من ظهير03 أكتوبر 2002 على وجوب التحرير في عقد رسمي أو محرر ثابت التاريخ مبرم من أكتوبر2002 على وجوب التحرير في عقد رسمي أو محرر ثابت التاريخ مبرم من طرف مهني وفق الشكل المنصوص عليه قانونا ليكون العقد صحيحا من الناحية القانونية.
وأيضا بصدور مدونة الحقوق العينية أصبحت الشكلية لازمة لقيام بعض التصرفات القانونية، وذلك نظرا لأهمية هذه العقود أو لكونها تحتاج إلى عناية خاصة بنظر إلى أطرافها، فاستوجب المشرع بذلك أن تأتي وجوبا في الشكل الرسمي وذلك تحت طائلة البطلان، وسنبينها وفق الجدول التالي:
| 1- الهبة | 2- الصدقة | 3- العمرى | 4- المغارسة | 5- الرهن الحيازي |
|---|---|---|---|---|
| حيث نص المشرع بمقتضى المادة 274 من مدونة الحقوق العينية على أن الهبة تنعقد بالإيجاب والقبول كما أنه يجب أن يتم إبرام عقد الهبة في محرر رسمي تحت طائلة البطلان. | تنص المادة 291 الفقرة الأولى من مدونة الحقوق العينية "تسري على أحكام الصدقة أحكام الهبة". | تنص المادة 106 الفقرة الثانية من مدونة الحقوق العينية "يجب تحت طائلة البطلان أن يبرم عقد العمري في محرر رسمي". | تنص المادة 268 من مدونة الحقوق العينية على وجوب إبرام عقد المغارسة في محرر رسمي تحت طائلة البطلان. | تنص المادة 174 من مدونة الحقوق العينية "يشترط لصحة الرهن الحيازي أن يبرم في محرر رسمي وأن يكون لمدة معينة". |
ومن هنا فقواعد الشكل تعدم التصرف القانوني، وبالنتيجة فإنه لا يمكن إثباته باليمين الحاسمة أو الإقرار.
التسليم في العقود العينية
ما هية العقود العينية
العقد العيني هو الذي يشترط لانعقاده علاوة على التراضي الطرفين، أن يجري فيه التسليم الشيء المعقود عليه بحيث لا يبرم العقد إلا تم ركن التسليم.
![]() |
| أهم الشكليات المتطلبة لصحة العقد |
وهنا يتعين لفت الانتباه إلى نقطة على جانب من الأهمية، وهي ضرورة التمييز بين التسليم الذي يعد بمثابة الركن الخامس في العقد إضافة إلى التراضي والأهلية والمحل والسبب التي تعتبرالنهاية الطبيعية لمعظم العقود الناقلة للملكية والواردة على الخدمات (كعقد البيع وعقد الكراء وعقد المقاولة).
حيث يلتزم البائع بتسليم المبيع للمشتري وهو سالم من العيوب، وفي عقد الكراء يلتزم المكري بتمكين المكتري من العين المكتراة عن طريق تسليم مفاتيح المنزل للمستفيد من عقد الكراء، وفي عقد المقاولة يلتزم المقاول بتسليم الشيء محل المقاولة لرب العمل أو المقاول.
ومن أبرز العقود العينية نجد الرهن الحيازي والوديعة الاختيارية وعارية الاستعمال والقرض.
نماذج من بعض العقود العينية
1- الرهن الحيازي
يعتبر الرهن الحيازي عقدا عينيا وذلك حسب الفصل 1188 من قانون الالتزامات والعقود حيث نص هذا الفصل على أنه يتم الرهن الحيازي:
- بتراضي طرفيه على إنشاء الرهن
- وبتسليم الشيء المرهون فعليا إلى الطرف الدائن أو إلى أحد من الغير اتفق عليه المتعاقدون.
وابتداء من هذا الإخطار، يعتبر الأجنبي الحائز أنه أصبح حائز للشيء لحساب الدائن ولو لم يكن قد التزم مباشرة تجاهه.
فمن خلال هذا الفصل تبرز خاصية تخلي المدين عن الحيازة، وحيث لا يكون الرهن الحيازي كاملا إلا بتخلي المدين عن حيازة الشيء المرهون، وذلك لفائدة الدائن المرتهن، حيث يصبح مطمئنا على ضمان حقه بوجود الشيء المرهون في حيازته، ولو كان في يد الغير، فهذا الأخير يعتبر حائزا للشيء لصاحب الدائن.
2- عقد الهبة
إن ما ينطبق على الرهن الحيازي يسري أيضا على عقد الهبة، حيث يعتبر هو الآخرعقدا عينيا، تطبيقا للحديث الشريف الذي جاء فيه "لا تجوز الهبة إلا مقبوضة"، فحسب الفصل 273 من مدونة الحقوق العينية، فالهبة هي تمليك عقار أو حق عيني عقاري لوجه الموهوب له في حياة الواهب بدون عوض.
وبالتالي فالهبة هي نموذج للعطية أي تمليك بغير عوض إنشاء، فإن كانت العطية المراد منها التقرب إلى الله سميت صدقة أما إن كانت صادرة من الواهب لأجل التقرب إلى موهوب له والتودد إليه سميت عندئذ هبة.
وبما ان الهبة تولف بين القلوب وتوثق أصول المحبة بين الناس، لكن بشرط أن يكون الواهب أهلا للتبرع أي حائزا على أهلية التصرف خالي من الأمراض المرتبة لبطلان الهبة، وفي حالة إطلاق اليد مع حصول الحوز.
لذلك ذهب عموما بعض الفقه، إلى أن مسألة اشتراط الشكلية فهوغالبا ما يكون ناتجا عن خطورة في بعض التصرفات، وهذا بطبيعة الحال ما أكدته المادة 274 من القانون رقم 39.08 المنظم لمدونة الحقوق العينية، بحيث نصت على أنه:
"تنعقد الهبة بالإيجاب والقبول.
يجب أن يبرم عقد الهبة في محرر رسمي، وذلك تحت طائلة البطلان.
يعني التقييد بالسجلات العقارية عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب وعن إخلائه من طرف الواهب إذا كان العقار محفظا أو في طور التحفيظ.
فإذا كان هذا العقار غير محفظ فإن فبإدراج مطلب لتحفيظه فهو يغني عن إخلائه وعن حيازته الفعلية".
فمن خلال الفصل 274 أعلاه، يتبين لنا ضرورة تحرير عقد الهبة في محرر رسمي من جهة وجعل العقار المحفظ أو في طور التحفيظ سببا انتفاء ضرورة الحيازة الفعلية للملك المو هوب من جهة أخرى.
3- عارية الاستعمال
فبالإضافة إلى الرهن الحيازي والهبة كنموذجين للعقود العينية، نجد أيضا عارية الاستعمال حيث نظمتها الفصول من 830 إلى 855 من قانون الالتزامات والعقود.
حيث أن عارية الاستعمال تعتبرحسب (الفصل 830 من قانون الالتزامات والعقود) بأنها عقد يسلم بمقتضاه أحد طرفيه للآخر شيئا لكي يقوم باستعماله خلال أجل معين أو في غرض محدد، على أن يرده بعينه، وفي العارية فإن المعير يحتفظ بملكية الشيء المستعار وبحيازته القانونية وليس للمستعير في هذه الحالة إلا مجرد استعماله.
فمن خلال هدا الفصل يتضح أن عارية الاستعمال هي من العقود العينية، لأنها تستوجب تسليم أحد الطرفي العقد شيئا لطرف الآخر، والتسليم يعد جوهر العقود العينية، كما تم تأكيد ذلك في الفصل 833 من قانون الالتزامات والعقود بحيث نص على أن:عارية الاستعمال تتم:
- بتراضي الطرفين.
- وبتسليم الشيء إلى المستعير.
وتجدر الإشارة في النهاية إلى أن للطرفين الاتفاق على أن يجعلا من عقد رضائي عقدا عينيا لا يتم إلا بتسليم المحل المعقود عليه أو بتنفيذ شطر من التزام أحد الطرفين.
وهذا ما يحصل غالبا في عقد التأمين حيث يشترط ألا يتم العقد إلا بعد أن يدفع المؤمن له القسط الأول.
وفي الأخير فإن العقد العيني بالرغم من الانتقادات التي وجهت له باعتباره إرثا موروثا عن التقاليد الرومانية مثله في ذلك مثل العقد الشكلي، إلا أن معظم التشريعات المدنية المعاصرة لازالت محتفظة بأنماط وصور لهذا العقد، الشيء الذي يخفف من حدة هذه الانتقادات.
ختاما فإن الجزاء الذي يترتب على خرق شكليات صحة العقد لا يثير أي جدل، ما دام المشرع يتمسك بالنظرية التقليدية للبطلان والتي تقضي بأن الجزاء المترتب على تخلف أحد مقومات العقد مثلا الشكل في العقد الشكلي هو البطلان المطلق.

