ضمانات المحاكمة العادلة للحدث حسب مشروع قانون المسطرة الجنائية 03.23
من بين المواضيع التي ناضلت من أجلها الحركة الحقوقية العالمية هو ضمان المحاكمة العادلة، إلا أنه كثيرا ما يثار التساؤل حول مدلول المحاكمة العادلة ومدى ارتباط هذه الأخيرة بالقوانين الداخلية لكل بلد.
![]() |
| ضمانات المحاكمة العادلة للحدث حسب مشروع قانون المسطرة الجنائية 03.23 |
تتجسد المحاكمة العادلة في مبدأ الشرعية، أي أنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، وأن المتهم يعد بريئا الى أن تثبت إدانته من طرف المحكمة المختصة، وحق التقاضي أمام لقضاء وضمان حرية الدفاع للمتهم في كل مراحل المحاكمة، وكذا وحقه في الطعن ضد الأحكام والقرارات القضائية.
ومن ثم فإن احترام الحق في المحاكمة العادلة يعتبر دليلا على صحة النظام القضائي لكل بلد.
والكثير من الأوساط تعتبر أن المحاكمة العادلة تخص بالأساس السياسيين ونشطاء حقوق الانسان والنقابيين وأولئك الذين يعبرون عن آراء سياسية أو اجتماعية أو نقابية، والحقيقة أن المحاكمة العادلة تخص جل المواطنين بدون استثناء، لأنها تعنى بضمان الحقوق للإنسان كإنسان، دون تمييز سواء من حيث السن أو الجنس أو العرق أو الدين أو الانتماء السياسي أو للوطن.. الى غيرها.
وهذا بطبيعة الحال يقودنا الى الحديث عن ضمان المحاكمة العادلة للأحداث، إذن فما هو المقصود بالأحداث؟
المقصود بالأحداث
يقصد بالأحداث الأطفال الذين هم دون سن الرشد، بحيث حددت الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سن رشده في 18 سنة شمسية كاملة.
ووفقا لهذه الاتفاقية أصبحت مختلف الدول ومن بينها المغرب تحدد سن الرشد الجنائي في 18 سنة، ويفهم من هذا الأمر أن الحدث الذي تقل سنة عن 18 سنة يعد قاصرا حسب القانون الجنائي.وقد كان سن الرشد الجنائي المغربي في القانون القديم محددا في 16 سنة، إلا أنه أصبح مؤخرا محدد في 18 سنة، وذلك بعد مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
وبالنظر لأهمية هذا الموضوع المتعلق بضمانات المحاكمة العادلة للحدث فإننا سنتناوله وفق مستجدات قانون المسطرة الجنائية المغربية.
وتجدر الإشارة الى أن مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، قد تناول موضوع محاكمة الأحداث الجانحين ضمن الكتاب الثالث من المادة 458 الى المادة 517 كما هو مبين أسفله⇓⇓
وبالتالي فإن القواعد المحددة بمقتضى المواد أعلاه، تدعونا الى إثارة تساؤلات عدة كما يلي:كيف يتم التعامل مع الحدث خلال مرحلة المحاكمة؟ وهل الامر يستدعي التعامل معه بنفس الكيفية التي تعامل بها مع الرشداء، ام أنه تخصص له معاملة خاصة تراعي سنه ووضعيته؟وهل هذا الأمر مقتصر على مرحلة مثول هذا الحدث أمام المحكمة؟ أم أن محاكمته العادلة تبدأ من لحظة توقيفه الى حين تنفيذ العقوبة؟
كل هذه الأسئلة تجعلنا نتناول هذا الموضوع ضمن شقين أو قسمين، بحيث سيتم التطرق بداية الى ضمانات المحاكمة العادلة للحدث قبل المحاكمة، ثم بعدها للضمانات بمناسبة المحاكمة.
ضمانات مخولة للحدث قبل المحاكمة
هذه المرحلة التي تسبق المحاكمة تعد من بين أهم المراحل بالنسبة للمتهم، نظرا لكونها موجهة للمرحل التي تليها.ونظر الأهمية هذه المرحلة بالنسبة للحدث فإنه سنتطرق من خلالها بداية للضمانات المخولة له خلال مرحلة البحث التمهيدي ثم بعدها للضمانات المخولة له في مرحلة التحقيق الاعدادي.
1- ضمانات الحدث خلال مرحلة البحث التمهيدي
إن مسألة الاحتفاظ بالحدث يثير العديد من الإشكالات، فالمادة 460 من مشروع قانون المسطرة الجنائية تشير بمقتضاها الى أن ضابط الشرطة القضائية المكلف بالأحداث هو الذي يتولى مهمة الاحتفاظ بالحدث المتهم بارتكابه لفعل جرمي.
فالمادة 19 من نفس المشروع قد عددت ضباط الشرطة القضائية، ونذكر من بينهم ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث.
ومعنى ذلك أن هذا المشروع خصص ضباط خاصين من بين ضباط الشرطة القضائية مكلفين بالأحداث خلال هذه المرحلة، أي مرحلة البحث التمهيدي، وهي ميزة محمودة نظرا لما يتطلبه الحدث من اهتمام ورعاية.
مما يجعلنا نطرح تساؤل عن مدى تكوين هؤلاء الضباط بشأن كيفية التعامل مع الأحداث من الناحية النفسية والاجتماعية ومدى تجهيز مكاتبهم بأدوات وأشياء تتناسب مع نفسية واهتمام الأحداث؟، هل كل مراكز الضابطة القضائية متوفرة على ضابط مكلف بالأحداث، خصوصا منها المتواجدة بالمدار الحضري والمدن؟ وهل المحضر المنجز من طرف الضابط غير المكلف بالأحداث يعتبر صحيحا أم باطلا؟
فالإجراء المتخذ في حق الحدث من طرف ضابط شرطة غير مكلف بالأحداث، يعد إجراء غير صحيح وباطل وفقا لما هو منصوص عليه بمقتضى المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية.
بمعنى ألا يحق لضابط شرطة لا يحمل صفة التكليف بالأحداث أن يقوم بأي إجراء في حق الحدث.وبشأن مسالة "الاحتفاظ بالحدث"، فإن المشرع المغربي لم يعرفها ضمن قانون المسطرة الجنائية وإنما اكتفى فقط بأحقية ضابط الشرطة القضائية المكلف بالأحداث بأن يحتفظ بالحدث المنسوب اليه الجرم في مكان مخصص للأحداث، وهذا الاحتفاظ لم يقم المشرع بإعطائه لا صفة الاعتقال ولا صفة الوضع تحت الحراسة النظرية.
إلا أنه بنظرنا نرى بأن "الاحتفاظ بالحدث" شبيه بالوضع تحت الحراسة النظرية لأن، الحدث يبقى داخل مخفر الدرك أو الشرطة ولا يغادره، كما أن مدة الاحتفاظ بالحدث لهي نفس مدة الحراسة النظرية كما ان التمديد يكون كذلك بنفس الطريقة ولنفس المدة المخصصة للحراسة النظرية.
ولعل ما يميز الاحتفاظ عن الحراسة النظرية هو أن الاحتفاظ لا يتم اللجوء اليه إلا في حالة تعذر تسليم الحدث لمن تولى رعايته أو كانت سلامة الحدث أو ضرورة البحث تقتضي ذلك.
وقد حدد مشروع قانون المسطرة الجنائية لشروط الاحتفاظ بالحدث كما سنبين ذلك مما يلي.الشرط الأول: أن يتولى الاحتفاظ بالحدث ضابط الشرطة القضائية المكلف بالأحداث
يكتسي هذا الشرط أهمية بالغة نظرا لما يتطلبه الحدث من عناية بالنظر لنفسيته وقلة نضجه بالإضافة الى احتياجه لمن يعتني به ويحترم كرامته وطفولته وبراءته، والأخذ بيده الى طريق الصواب.
وهذا الأمر يستدعي أن يتلقى ضباط الشرطة المكلفين بالأحداث تدريبا وتكوينا خاصا لكي يقوموا بمهامهم على أكمل وجه.
الشرط الثاني: موافقة النيابة العامة على الاحتفاظ بالحدثلقد أعطت المادة 460 من مشروع قانون المسطرة الجنائية الحق لضابط الشرطة المكلف بالأحداث حق الاحتفاظ بالحدث، ولم تشر الى أي إذن من طرف النيابة العامة، كما أن مقتضى المادة السالف ذكرها لم تميز أيضا بين الاحتفاظ بالحدث في حالة التلبس والاحتفاظ به في حالة البحث التمهيدي.
كما أن هذا المشروع لم يتطرق كذلك الى رقابة النيابة العامة لسجلات الاحتفاظ بالأحداث، وزيارة النيابة العامة لأماكن الاحتفاظ بالأحداث، مما يشكل مساسا بحقوق الحدث وحريته، لأن هذا المشروع أعطى لضابط الشرطة القضائية المكلف بالأحداث صلاحيات لا يراقب عليها من طرف النيابة العامة.
إلا أن المشرع قد تدارك هذه الأعمال جزئيا بتنصيصه بمقتضى المادة 460 من مشروع قانون المسطرة الجنائية على أنه يجب تقديم الحدث للنيابة العامة قبل انتهاء مدة الاحتفاظ به، كما أعطى للنيابة العامة حق تمديد الاحتفاظ بالحدث لمدة لا تجاوز للمدة المقررة لتمديد الحراسة النظرية.
الشرط الثالث: مراعاة سن الحدثوفقا لما جاء بمقتضى نص المادة 460 من مشروع قانون تعديل المسطرة الجنائية على أن الحدث الذي يقل سنه عن 12 سنة لا يمكن أن يتخذ في حقه أي إجراء سوى تسليمه لمن له الحق في رعايته.
وإذا كان سنه بين 12 و15 سنة فإنه لا يمكن إيداعه في مؤسسة سجنية ولو بصفة مؤقتة.وبالتالي فالمشرع أحسن صنعا لما منع وضع الحدث الذي يقل سنه عن 15 سنة كاملة في السجن مهما كانت الجريمة التي ارتكبها، لأن وضعه في السجن في هذا السن من شأنه أن يشكل خطرا على سلوكه ونفسيته.
بالإضافة ان هذا المشروع نص على أن المخالفات التي يقوم بارتكابها الأحداث لا يكون الجزاء عليها سوى التوبيخ أو الحكم بالغرامة وفقا لما هو منصوص عليه قانونا.
فمن بين الضمانات التي أتى بها مشروع قانون المسطرة الجنائية أنه نص على وجوب إشعار ولي الحدث أو المقدم عليه أو وصيه أو كافله أو حاضنه أو الشخص أو المؤسسة المكلفة برعايته بالإجراء المتخذ في حق الحدث، وذلك وفقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 67 من قانون المسطرة الجنائية، وكما أشارت الى ذلك المادة 460 من مشروع قانون المسطرة الجنائية.
وتجدر الإشارة الى أن المقتضى الجديد الذي جاء به هذا المشروع والمتعلق بتحديد الشخص الذي تم إشعاره والتوقيت الذي تم الاشعار فيه يعد إجراء محمودا نظرا لما يكفله من ضمانات للحدث ولعائلته.
الشرط الخامس: حق اتصال الحدث بمحاميه وأوليائهفحسب ما جاء بمقتضى نص المادة 460 أعلاه من مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، يلاحظ أنه إذا كان هذا الاجراء المتخذ يشكل تطورا في ضمانات المحاكمة العادلة للحدث والمتعلق بحضور محامي الحدث أو وليه للبحث الذي يجريه معه ضابط الشرطة القضائية إلا انه بنظرنا غير كاف لأنه جاء مسبوقا بعبارة " يمكن".
لأن هذه العبارة تعطي سلطة لضابط الشرطة القضائية في تأويل كلمة "يمكن"، وحسب رأينا فإنه من المفيد أن يكون حضور المحامي إلزاميا الى جانب ولي أمر الحدث، وذلك نظرا لما يشكله ذلك من ضمانات أكثر للحدث بحيث تصبح مسطرة حضور المحامي من أجل البحث مع الحدث إلزامية.
والنقطة أو الملاحظة الثانية فيما يخص المقتضى المادة أعلاه الخاص بحضور المحامي أو أحد أولياء القاصر عند الاستماع اليه من طرف ضابط الشرطة القضائية هي أنه جعل الحضور إما من طرف المحامي أو أحد أولياء الحدث ولا يمكن حضورهما معا، في حين أن لكل واحد منهما (المحامي أو أحد أوليائه) دور وتأثير على الحالة النفسية للحدث.
- فولي الأمر يجعل الحدث يشعر بالاطمئنان والمساندة.
- أما حضور المحامي، فلسلامة المسطرة ولمعرفته القانونية بالإجراءات.
ومن متمنياتنا أن يأخذ المشرع بهذا الأمر، بحيث يجعل حضور المحامي وولي أمر الحدث في نفس الوقت إلزاميا لأجل سلامة المسطرة.
2- ضمانات الحدث أثناء مرحلة التحقيق الاعدادي
تعد مرحلة التحقيق الاعدادي من بين أهم مراحل المحاكمة بالنسبة للحدث، بحيث أنه يكون الحدث ممثلا أمام قاضي التحقيق بعد إحالة ملفه عليه من طرف النيابة العامة.
وقاضي التحقيق لا يملك حق إيداع الحدث الذي لم يبلغ بعد 15 سنة كاملة في السجن ولو بصفة مؤقتة وكيفما كان نوع الجريمة.
وهذا المقتضى جاء به مشروع قانون المسطرة الجنائية ضمن المادة 473 ويشكل تطورا هاما في السياسة الجنائية، خصوصا وأن النص الحالي كان يمنع وضع الحدث الذي يقل سنه عن 12 سنة في السجن.
ومعنى ذلك أن مشروع قانون المسطرة الجنائية رفع السن الذي يمكن من خلاله وضع الحدث بالسجن من 12 سنة الى 15 سنة.وفي هذه الحالة لقد أحسن المشرع صنعا عندما رفع السن الى 15 سنة ولماذا؟، لأن الحدث الذي يكون سنه أقل من 15 سنة، لا يستطيع تحمل مصاعب السجن وكذا فراقه لولي أمره، كما أن السجن قد يؤثر بشكل كبير على نفسيته وأخلاقه وهو الشيء الذي يمكن أن يعيق عملية إعادة إصلاح وإدماج هذا الحدث في المجتمع.
ومن المستجدات التي جاء بها مشروع قانون المسطرة الجنائية أنه نص كذلك ضمن المادة 462 على وجود قاضي التحقيق المكلف بالأحداث بالمحكمة الابتدائية، ووجود قاضي التحقيق المكلف بالأحداث يعد أمرا ذو أهمية بالغة، نظرا للدراية والخبرة التي يمتلكها هذا القاضي في التعامل مع الحدث والعناية به، ودرايته في أنسب القرارات التي يمكن اتخاذها بشأنه والتي تضمن مصلحة الحدث.
إلا أن ما يلاحظ بمقتضى المادة 462 أنها لم تنص على تعيين مستشار محكمة الاستئناف المكلف بالتحقيق مع الأحداث، وإنما اكتفى المشروع فقط على التنصيص على مستشار مكلف بالأحداث إضافة الى غرف مكلفة بالأحداث.
على الرغم من المادة 486 من هذا المشروع تنص على أنه في حالة اكتساب الفعل المرتكب من طرف الحدث صبغة جنائية فإن المستشار المكلف بالأحداث يقوم بإجراءات التحقيق ووجود مستشار مكلف بالأحداث لا يعني ذلك بالضرورة أنه مكلف بالتحقيق.
وبالتالي فإننا نفهم من المادة أعلاه أن وجود مستشار مكلف بالأحداث لدى محكمة الاستئناف هو فقط من أجل أن يترأس هيئة الحكم عند النظر في قضايا الأحداث.
كما أن المشرع احتفظ في المشروع على تكليف وكيل الملك لقاض أو عدة قضاة من النيابة العامة بالقضايا المتعلقة بالأحداث، وفقا لما جاء بمقتضى المادة 485 من قانون المسطرة الجنائية.
وتكليف قضاة النيابة العامة بقضايا الاحداث من شأن ذلك أن يعطي ضمانة أكثر للحدث في أن يتم التعامل معه بطريقة مختلفة تماما عن تلك المخصصة للرشداء.
ومن بين الضمانات التي حافظ عليها هذا المشروع كذلك أنه خول لقاضي التحقيق إمكانية إخضاع الحدث لخبرة طبية أو نفسية إذا ما رأى ما يوجب ذلك سواء:- بملاحظته لحالة الحدث.
- أو بطلب من دفاعه أو ولي أمره.
كما أنه أيضا بإمكان قاضي التحقيق أن يقوم بإجراء بحث اجتماعي عن الحالة الاجتماعية والأسرية للحدث، وهذا البحث من شأنه أن يساعد القاضي على اتخاذ القرار المناسب لحماية هذا الحدث، وسواء ذلك المتعلق بالوضع تحت تدابير الحراسة المؤقتة أو غيرها.
كما يشعر قاضي التحقيق الأبوين أو المقدم أو الوصي أو الكافل أو الحاضن أو المؤسسة المكلفة برعاية الحدث المعروفين لديه بإجراء المتابعات.
ومن بين الضمانات كذلك التي حافظ عليها المشرع في هذا المشروع همها تلك المتعلقة بقصل ملف الحدث عن ملف الرشداء إن وجدوا معه كمساهمين أو شركاء، وهذا الأمر من شأنه إعطاء حماية أكثر للحدث، لأن ملفه سينظر من طرف قاض مكلف بالأحداث وهو ما يضمن له حقوق تتناسب مع سنه.
في حين ان الرشداء سيتم تقديمهم أمام قاض ليس مختصا بالأحداث، وبالتالي فإن فصل ملف الحدث عن الرشداء يشكل ضمانة هامة بالنسبة للحدث، لينظر ملفه قاض مكلف بالأحداث بدل أن ينظر في ملفه قاض آخر غير مكلف بالأحداث وذلك بعلة وجود رشداء في الملف.
والى هنا يمكن القول أن الضمانات الممنوحة للحدث خلال مرحلة أو مراحل ما قبل المحاكمة فهي لا تكون كافية إلا بتعزيزها بأخرى خلال المحاكمة.
ضمانات مخولة للحدث بعد المحاكمة
إن المحاكمة تعد من أدق وأهم المراحل بالنسبة للحدث، خصوصا وأن النيابة العامة وقاضي التحقيق لا يتخذ أي منهما قرارا بإحالة الحدث على المحكمة إلا في حالة عدم إمكانية اتخاذ أي إجراء آخر كما هو الشأن لتدابير الحماية أو التهذيب أو بسبب خطورة الفعل المنسوب للحدث.
![]() |
| ضمانات المحاكمة العادلة للحدث |
ونظرا لما تكتسيه محاكمة الحدث من صبغة خاصة بحيث تجعل مسألة ضمان المحاكمة العادلة للحدث أكثر دقة من محاكمة الرشداء، ومن ثم سنتطرق بداية للضمانات المخولة للحدث أثناء المحاكمة، ثم بعدها للضمانات الممنوحة له بعد المحاكمة.
أولا- الضمانات المخولة للحدث أثناء المحاكمة
1-قاضي الاحداث هو الذي يتولى النظر في قضايا الأحداث
وقد حدد المشرع بمقتضى مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية لكيفية تكوين المحكمة المختصة بالنظر في قضايا الأحداث، فجعل بذلك في كل محكمة أن الذي يتولى مهمة النظر في قضايا الأحداث هو قاضي الأحداث.
وفي حالة القضاء الجماعي في المرحلة الابتدائية ألزم المشرع المغربي بأن يترأس الهيئة قاض مكلف بالأحداث،وفي محكمة الاستئناف فالمستشار المكلف بالأحداث هو الذي يترأس الهيئة التي تنظر في قضايا الأحداث سواء في الغرفة الجنحية الاستئنافية أو في غرفة الجنايات أو غرفة الجنايات الاستئنافية.
وتركيز المشرع على ترأس قاض أو مستشار مكلف بالأحداث للهيئة التي تنظر في قضايا الأحداث، يظهر لنا بأن المشرع يولي أهمية بالغة لمحاكمة الحدث، من خلال تخصيصه بذلك لقاض أو مستشار ليكون مكلفا بالأحداث.
واختيار القاضي أو المستشار المكلف بالأحداث ليترأس هيئة الحكم، يتضح لنا ان الذي يتعامل مباشرة مع الحدث هو ذلك القاضي المكلف بشؤونه.
2- سرية جلسة محاكمة الحدثكما هو معلوم فإن علنية الجلسات بالنسبة للرشداء هي من شروط المحاكمة العادلة وهي مفيدة لهم، أما بالنسبة للأحداث فقد تكون لها انعكاسات وخيمة عليهم وذلك نظر لتأثيرها النفسي على شخصية الحدث الذي لم يعتد التحدث وسط الجمهور، بالإضافة الى أن العلنية قد تجعل الحدث يواجه المجتمع بمختلف مكوناته مع انعدام قدرته على ذلك.
وهذا المشروع المتعلق بتعديل قانون المسطرة الجنائية، اختار أن تمر جلسة محاكمة الحدث في سرية تامة، ولا يحضر مع الحدث في الجلسة سوى ولي أمره أو دفاعه.
وهنا تجدر الإشارة الى أن سرية الجلسة لا تقف عند المناقشات والبحث، بل إنها تمتد أيضا الى الجلسة التي يصدر فيها الحكم.
وقد شدد المشرع بخصوص الطابع السري لمحاكمة الحدث بحيث قام بمنع نشر آية بيانات عن جلسات الهيئات القضائية للأحداث سواء في الكتب أو الصحافة والإذاعة والتلفاز وغيرها من مختلف وسائل النشر الالكترونية أو السمعية أو البصرية أو آية وسيلة أخرى.
كما منع نشر أي صورة أو نص تتعلق بالأحداث سواء كانوا ضحايا أو في وضعية صعبة أو في نزاع مع القانون، والمشرع رتب بشأن ذلك غرامات على كل من يخالف تلك المقتضيات.
وما يمكن أن نستنبطه من ذلك أن هدف المشرع من المنع السالف ذكره أعلاه وحسب رأينا المتواضع هو عدم التشهير بالحدث وحتى لا يكون قدوة لأقرانه.
إلا أن المشرع استثناء سمح بنشر الحكم الصادر في حق الحدث دون أن يبين فيه (اسم الحدث) ولو بالأحرف الأولى لاسمه أو بواسطة صورة أو آية إشارة أحرى من شأنها التعريف به.
والمشرع لم يقف عند هذا الاستثناء فقط، بل إنه سمح كذلك للمسؤولين عن مراكز حماية الطفولة باستعمال وسائل الإعلام لنشر بعض المعلومات المتعلقة بالحدث الذي انقطعت أخباره وصلته بأسرته وذلك قصد تسهيل العثور عليها وذلك بطبيعة الحال بعد إذن قاضي الأحداث.
3- محاكمة الاحداث لا تكتسي طبيعة عقابيةلقد أشارت المادة 1-462 من مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية الى أن محاكمة الأحداث لا تكتسي طبيعة عقابية، ومعنى ذلك أنها لا تهدف الى معاقبة الحدث والزج به الى السجن، بل حرصت نفس المادة على أن يراعى في تدبير الحماية أو التهذيب ذلك التدبير الملائم لحالة الحدث أو الكفيل بتهذيب لسلوكه وإصلاحه.
كما أشارت نفس المادة الى أنه لا يودع الحدث في السجن إلا استثناء في الحالة التي تقدر المحكمة أنه لا بديل عنها، كما أن الحدث الذي يقل سنه عن 15 سنة لا يودع في السجن مهما كانت نوع التهمة المنسوبة اليه.
وقد أخذ المشرع بعين الاعتبار سن الحدث ونفسيته والغاية من محاكمته، وأظهر أن الغاية من محاكمته هي محاولة تهذيبه وإصلاح سلوكه، ومن ثم فإن إنقاذ الحدث يعد من مسؤوليات المجتمع بصفة عامة والقضاء بصفة خاصة.
كما أن المشرع كذلك أعطى للمحكمة إمكانية استبدال العقوبة الحبسية بتدبير العمل من أجل المنفعة العامة.
4- إمكانية الحدث الطعن بالاستئناف ضد الحكم الابتدائيوقد حددت المادة 472 من مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية الأطراف الذين يحق لهم الطعن بالاستئناف ضد الأمر الذي يبت في التدابير المؤقتة المشار البها في المادة 471 من نفس القانون، وحدد الأشخاص الذين يحق لهم الطعن بالاستئناف في ما يلي:
- النيابة العامة.
- الحدث أو ممثله القانوني أو أبويه أو الشخص أو المؤسسة المكلفة برعايته.
والمشرع أعطى للحدث بمقتضى المادة أعلاه صفة الرشد الجنائي لأنه خوله الطعن بالاستئناف، مع العلم أن ممارسة الدعوى وإجراءاتها كالطعن بالاستئناف أو النقض أو تقديم ملتمسات لا تكون إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة.
وهذه الاهلية التي منحها المشرع للحدث قصد ممارسته لحقه في الطعن بالاستئناف جاءت لمصلحته.
الضمانات المخولة للمتهم بعد المحاكمة
إن ضمانات المحاكمة العادلة لا تقف عند ما يجري داخل قاعات الجلسات بالمحاكم، بل إن الحديث عن المحاكمة العادلة يبتدئ من ساعة توقيف المشتبه فيه الى حين تنفيذ العقوبة.
وتنفيذ العقوبة يأتي بعد صدور الحكم، ومن ثم فإن هذه المرحلة تتطلب بدورها ضمانات خاصة، ويواجه الحدث بعد صدور الحكم مختلف الوضعيات والتي نذكر منها ما يلي.
1- تدبير الحماية أو التهذيبلقد قررت بهذا الشأن المادة 481 من مشروع قانون المسطرة الجنائية أحقية غرفة الاحداث اتخاذ تدبير أو أكثر من تدابير للتهذيب أو الحماية، بحيث حددتها في 7 تدابير تنحصر أغلبها فيما يلي:
- تسليم الحدث لولي أمره أو لمؤسسة متخصصة في الاعتناء بالأحداث الجانحين.
- أو إخضاعه لنظام الحرية المحروسة.
وهذه التدابير كلها تهدف الى العمل على إصلاح سلوك الحدث، فيسلم لولي أمره إذا كان هذا الأخير أهلا لتهذيبه والحيلولة دون جنوحه مرة أخرى.
ويودع بمؤسسة للعلاج أو للتربية الصحية إذا كانت حاته الصحية أو النفسية أو العقلية تستدعي ذاك.
أو إيداعه بمعهد أو مؤسسة عمومية أو مؤسسة خاصة للتربية والتكوين المهني، والغاية من هذا الإجراء هو مساعدة الحدث لكسب مهارة مهنية قد تغنيه من الجنوح مستقبلا، وتجدر الإشارة الى أن هذا المعهد أو المؤسسة للتربية والتكوين المهني قد يكون غما عموميا أو خاصا.
كما أقر مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية كذلك بتدبير الحرية المروسة وأولاها أهمية كبيرة، بوضع الحدث تحت نظام الحرية المحروسة بأمر من قاض أو مستشار مكلف بالأحداث، أو من قبل الهيئة القضائية التي أصدرت الحكم في حق الحدث.
ويقصد بـ "الحرية المحروسة"، أن الحدث يبقى في حالة سراح إلا أنه يخضع لمراقبة مندوب يتولى الإشراف والتتبع لحالة الحدث الجاري عليه نظام الحرية المحروسة.
وتكمن مهمة "مندوب الحرية المحروسة" في العمل على تجنيب الحدث العودة الى الجريمة مرة أخرى، كما يقوم باقتراح أي تدبير قد يراه مفيدا لإعادة تربية الحدث.
وهذا المشروع الجديد لم يقتصر على مندوبي الحرية المحروسة بل أضاف كذلك انه يمكن أن يعهد للقيام بمهمة الحرية المحروسة للموظفين المكلفين بمهام المساعدة الاجتماعية من خلال التكفل بالنساء والأطفال بالمحاكم.
بالإضافة الى أن الحدث لا يخضع دائما لتدابير الحماية أو التهذيب فقط، بل إن مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية قد أعطى للقاضي إمكانية الحكم على الحدث بعقوبة سالبة للحرية على أن يتم تخفيض الحد الأدنى والأعلى للعقوبة المقررة الى النصف.
وبالتالي فإن المشرع هنا لم يترك للقاضي حرية اختيار العقوبة الحبسية بدل تدابير الحماية أو التهذيب، بل ألزمه ألا يلجأ الى عقوبة سالبة للحرية إلا في حالة اقتضت الضرورة ذلك، كما ألزم المشرع القاضي بتعليل حكمه بخصوص اختياره للعقوبة الحبسية بدل تدابير التهذيب أو الحماية.
كما أن المشرع أعطى للقاضي إمكانية استبدال العقوبة الحبسية بتدبير العمل من أجل المنفعة العامة.
والمشرع أحسن صنعا عندما أشار الى أنه تراعى المصلحة الفضلى للحدث عند تطبيق عقوبة العمل من أجل المنفعة العامة عليه.
ويتمتع قاضي الأحداث بسلطة واسعة في مرحلة تطبيق العقوبة، وبالتالي فهو يمتلك حق إعادة النظر في التدبير الذي اتخذ تطبيقا للمادة من مشروع قانون المسطرة الجنائية، ومهما كانت الهيئة القضائية التي أصدرت الحكم المقرر.

