📁 آخر الأخبار

التبليغ الالكتروني ومؤسسة قاضي التنفيذ في إطار مشروع قانون رقم 02.23

التبليغ الالكتروني ومؤسسة قاضي التنفيذ في إطار مشروع قانون رقم 02.23

عرف مشروع قانون المسطرة المدنية القانون رقم 02.23 نقاشا قانونيا وفقهيا حول مضامينه ومقتضياته، ومدى تحقيقه للنجاعة والحاكمة القضائية على أساس أن القانون الإجرائي يشكل ضمانة أساسية للعدالة واللوج المستنير للقضاء.

التبليغ الالكتروني ومؤسسة قاضي التنفيذ في إطار مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23
التبليغ الالكتروني ومؤسسة قاضي التنفيذ في إطار مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23 

ومن بين المقتضيات التي جاء بها هذا المشروع هي تلك المتعلقة بالتبليغ الالكتروني ومؤسسة قاضي التنفيذ بحيث سنتعرف من جهة على التبليغ الالكتروني مع بيان شروط نطاقه ودور المفوض القضائي في تحقيقه، ومن جهة ثانية نتطرق لمؤسسة قاضي التنفيذ في ظل مشروع القانون السالف ذكره.

التبليغ الالكتروني وشروط نطاقه ودور المفوض القضائي في تحقيقه

التبليغ كما هو معلوم من بين أهم الإجراءات التي تحقق المحاكمة العادلة والمواجهة بين مختلف الخصوم في مختلف الخصومة القضائي.

وبالتالي فهو نظام يتم بواسطته إشعار وإعلام أطراف الدعوى بالإجراءات المتخذة، إلا أن الوسائل التقليدية في منظومة التبليغ أصبحت متجاوزة أمام متطلبات هذا التقدم التكنولوجي والمعلوماتي، وهو الامر الذي يستوجب الانتقال من التبليغ في إطاره الكلاسيكي، الى إطار آخر أكثر حداثة يساير هذا التطور التكنولوجي في عالم الاتصالات والمعلومات، وذلك في سياق إرساء إدارة قضائية رقمية من أجل تسريع الإجراءات والمساطر القضائية.

ويمكن القول بأن التبليغ الالكتروني هو الوسيلة الرقمية لإشعار أطراف الخصومة بإجراءاتها عبر الوسائط الالكترونية، نظرا لما تضمنه من سرعة الاتصال وقلة التكاليف وسهولة الاستعمال وفعالية أكثر.

والتبليغ الالكتروني يعتمد على مجموعة من المرتكزات التقنية الهامة كالعنوان الالكتروني الذي يعتبر من أهم الدعائم التي تساعد على تأمين عملية إرسال واستقبال الرسائل والوثائق الرقمية.

كما التبليغ الالكتروني يعتبر صورة من صور التطور المعلوماتي والتكنولوجي في مجال العدالة الإجرائية ذات الطابع الالكتروني، فمن خلال استعمال التقنيات الحديثة بتم تبسيط الإجراءات وتحقيق الحاكمة والنجاعة القضائية.

أولا: شروط التبليغ الالكتروني

سيتم التطرق بهذا الصدد الى كل مما يلي:
  •  البريد الالكتروني؛ 
  •  البيانات الالزامية. 

1) البريد الالكتروني

يعد البريد الإلكتروني من أكثر وسائل الاتصال شيوعا في نقل البيانات والرسائل عبر شبكات الحاسوب، أو الهاتف المحمول الى المرسل إليه، سواء كان هذا الشخص شخصا ماديا أو معنويا، عبر عنوان رقمي محدد.

كما أن هذا التبليغ يمكن أن يتم أيضا عن طريق تطبيقات أخرى، كالواتساب والتلجرام والرسائل النصية، وإن كانت هذه الوسائط والرسائل فعالة وسريعة، فيجب التأكد من كونها خاصة بالمبلغ له وأن يكون رقم الهاتف المحمول مسجل لدى الجهات الخاصة. 

2) البيانات الإلزامية

ينبغي أن تتضمن الوثائق الرقمية كذلك البيانات الإلزامية، كاسم طالب التبليغ وعنوانه الالكتروني والتقليدي ودفاعه، وموضوع التبليغ، مراجع وثيقة التبليغ، وكل ذلك تحت طائلة البطلان.

ثانيا: التبليغ الالكتروني في التشريع المغربي والمقارن

ففي التشريع الفرنسي بخصوص مقتضيات التبليغ الرقمي بواسطة المفوض القضائي الصادر بمقتضى المرسوم 366-2012، والذي حددت فيه مجموعة من المفاهيم التطبيقية والعملية التي من شأنها أن تيسر عمل المفوض القضائي والتي ينبغي التقيد بها.

كما أن إجراءات الولوج الرقمي تبقى مسيرة من طرف الغرفة الوطنية للمفوضين القضائيين الفرنسية، كما قام المشرع الفرنسي وبشكل منفصل بضبط كل ما يخص التبليغ الالكتروني سواء من حيث تحديد العنوان الالكتروني القضائي أو الاختياري، والتوقيع الالكتروني والبطاقة الالكترونية الواجب اعتمادها من طرف المفوض القضائي الفرنسي.

كما أن القانون الأردني سار مع نفس التوجه الفرنسي فيما يخص تفعيل مقتضيات التبليغ الرقمي وضبط وسائله ونطاقه.

أما في التشريع المغربي، فمن خلال مشروع قانون المتعلق باستعمال الوسائط الالكترونية الذي جاء في إطار تتميم بعض الفصول والمقتضيات الواردة في قانون المسطرة المدنية بحيث أنه نص في "الباب الأول مكرر" على إحداث منصة الكترونية رسمية للتقاضي.

حيث اعتبر أن كل الإجراءات المحررة على الدعامة الالكترونية والمتوصل بها عبر الوسائط صحيحة ولها نفس الحجية التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الدعامة الورقية.

كما نص كذلك على إحداث حسابات مهنية لفائدة لمساعدي القضاء مع الإشارة الى ضرورة تضمين عنوان البريد الالكتروني، في كل تصريح يهدف الى استخدام التبليغ الرقمي.

إلا أنه من عيوب هذا المشروع أنه جاء بصيغة فضفاضة وعامة، ومتمم بعض النصوص الواردة بقانون المسطرة المدنية، وكان الأجدر أن يتم تعويض تلك الفصول بفصول جديدة متناسقة، لكيلا يقع هناك نوع من الارتباك لدى المخاطبين.

وفي واقع الامر فإن المشروع لم يلامس موضوع التبليغ الرقمي بالشكل الكافي، ولم يعمل على التعريف بالأليات الأساسية لهذا التبليغ.

ونفس الملاحظة كذلك يمكن تسجيلها بالنسبة لمشروع قانون المسطرة المدنية القانون رقم 02.23 _والذي سار مع نفس النهج الذي اعتمده مشروع قانون استعمال الوسائط الالكترونية_ فمن خلال مقتضياته جاء بدوره عاما وناقصا ولم يقم بوضع الإطار المفاهيمي لبعض الوسائل الإلزامية في مسطرة التقاضي الرقمي. 

كما أنه غير منسجم مع النصوص والمقتضيات التشريعية الواردة بكل من التنظيم القضائي والقانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين. كما أن هذين المشروعين لم يأخذا بعين الاعتبار تجارب القوانين المقارنة كالقانون الفرنسي والأردني المشار اليهما أعلاه.

 ثالثا: دور المفوض القضائي في التبليغ الالكتروني

إن المفوض القضائي يعتبر من بين أهم الدعامات الأساسية في منظومة التبليغ، سواء الورقي منه أو الرقمي، ويشكل أهم عنصر في تحقيق العدالة الإجرائية، وفي القانون المقارن نجد التشريع الفرنسي قد أعطى للمفوض القضائي -صلاحيات بشكل صريح وواضح _من خلال القرار28-08-2012 والمرسوم عدد 366 الصادر في 15-03-2012_ فيما يخص التبليغ الالكتروني، ووضع بين يديه مجموعة من الوسائل التقنية المحدد إطارها المفاهيمي مسبقا.

وبرجوعنا لمشاريع القوانين المغربية ومن خلال استقرائنا لعدد من مقتضياتها يلاحظ أنها لم تتطرق الى المفوض القضائي إلا بشكل عابر عكس ما عليه الحال في التشريع الفرنسي، الذي وضع مسطرة التبليغ الالكتروني بشكل دقيق مع إسناده لاختصاص المفوض القضائي في إطار قانوني محدد بقواعده الشكلية والموضوعية.

وبطبيعة الحال فإن مشاريع القوانين هاته لا ننكر أنها تمهيد مهم لأجل عصرنة ورقمنة الإجراءات القضائية، لكن مع ذلك يجب أن يتم ذلك بإشراك جميع الفاعلين في المنظومة القضائية بدون استثناء. 

مؤسسة قاضي التنفيذ في ظل مشروع القانون رقم 02.23

لا يمكننا الحديث عن حقوق لا نفاذ لها بحيث أن استصدار الأحكام القضائية الهدف منه هو أن يتم تجسيد ما قضت به هذه الأحكام على ارض الواقع، وتنفيذ الأحكام القضائية يتم وفق قواعد وضوابط قانونية وإجرائية، تشكل في مجملها "منظومة التنفيذ"، ومؤسسة قاضي التنفيذ تعتبر جزءا من هذه المنظومة.

وبالرجوع الى مشروع قانون المسطرة المدنية نجد أنه قد نص على هذه المؤسسة المستحدثة ضمن الفرع الثاني والثالث من الباب الثالث، بحيث أعطيت لقاضي التنفيذ مجموعة اختصاصات تجاوزت طبيعة الاختصاص القضائي المنوط به،

ويظهر هذا بشكل جلي وواضح من خلال المادة 476 من المشروع السالف ذكره، والتي تنص على أن قاضي التنفيذ مختص بإصدار الأوامر المتعلقة بالتنفيذ، ويتولى الإشراف عليه ومراقبة سير إجراءاته كما أن طلبات التنفيذ المتضمنة لمجموعة من البيانات تقدم له ويأمر بأعذار المنفذ عليه كما هو منصوص عليه في المادة 485 إضافة الى مقتضيات أخرى متعددة تظهر الدور الأساسي لقاضي التنفيذ، مما يوحي بأنه هو من يقوم بإجراءات التنفيذ وليس المفوض القضائي الذي له الاختصاص الأصلي في ذلك.

ومن ثم فيمكن القول بأنه ينبغي على المشرع مراجعة النصوص المتعلقة بمؤسسة قاضي التنفيذ، والوارد في مشروع القانون رقم 02.23، بشكل يحافظ على مبدأ فصل السلط كما هو منصوص عليه في الدستور، وألا يخرج قاضي التنفيذ عن اختصاصاته القضائية من جهة.

ومن جهة أخرى من أجل تكريس وتحقيقِ النجاعة في منظومة التنفيذ، ويجب خلق فلسفة تشريعية ترمي الى ضمان فعالية إجراءات التنفيذ، لصالح المنفذ له، وضمان الإنسانية لصالح المنفذ عليه، كما هو منصوص عليه في الاجتهاد القضائي المقارن.

تعليقات