مفهوم العملات المشفرة وطبيعتها القانونية
حاليا لا وجود لأي نص قانوني في التشريع المغربي، ينظم العملات المشفرة بشكل مباشر، لذلك سنحاول أن نقوم بتحديد مفهومها من خلال القواعد العامة ومن خلال التشريعات المقارنة وما أنجز من دراسات حول العملات المشفرة وسلسلة الكتل أو ما يسمى ب"BLOCK CHAIN" ونظام التشفير.
![]() |
| مفهوم العملات المشفرة وطبيعتها القانونية |
كمدخل لفهم هندسة وبنية النظام الذي تستند عليه هذه العملات المشفرة ولاسيما عملة البتكوين في وجودها، على أن يساعد ذلك في تحديد طبيعتها القانونية وتحديد الإطار أو الأطر القانونية التي يمكن تطبيقها عليها.
مفهوم العملات المشفرة
لعل ما يميز العملات المشفرة كونها أنها تستند في وجودها على معطيات معلوماتية رقمية ومعطيات معلوماتية اقتصادية مالية، ثم معطيات قانونية، ووفقا لذلك فإن أي محاولة لتقديم تعريف متكامل للعملات الافتراضية يجب أن تأخذ هذه الأبعاد الثلاث بعين الاعتبار مع الاخذ بعين الاعتبار كذلك أن تعريف العملات الافتراضية هو تعريف نسبي.
وبسبب غياب إطار قانوني دولي موحد بشأن هذه العملات فإن مفهومها يبقى مرتبطا بطبيعة النظام المالي للدولة وموقفها من هذه العملات.
كما أن العملات المشفرة وإن كانت تعتمد جميعها في وجودها على تقنية سلسلة الكتل، وتتميز جميعها بكونها عملات غير رسمية وليس لها وجود مادي، فإنها تختلف عن بعضها من حيث كيفية سير النظام ومستوى لا مركزيته وفق لما سيتم بيانه وتوضيحه لاحقا.
فمن خلال الاطلاع على التجارب المقارنة، يتضح لنا أن هناك اتجاها تمثله مجموعة من التشريعات وآراء الفقهاء والدراسات التي أعدتها المنظمات الدولية والإقليمية، يميل الى تعريف العملات المشفرة من خلال مقارنتها بنظام النقد القائم.
| العملات المشفرة حسب الفصل 2-561 من مدونة النقد والمالية بفرنسا | "كل أداة تحتوي رقميا على وحدات ذات قيمة اقتصادية مختلفة عن قيمة النقود، يمكن تخزينها وتحويلها بهدف الحصول على مال أو خدمة، ولكنها لا تمثل دينا في ذمة مصدرها". |
|---|---|
| تعريف العملات المشفرة حسب الدورية التوجيهية الأوروبية الخاصة بالأصول
الافتراضية | "تمثيل رقمي لقيمة معينة لم يتم إصدارها أو ضمانها من طرف بنك مركزي، ولا ترتبط نهائيا بعملة متداولة قانونا ولا تعتبر نقودا من الناحية القانونية، ولكنها مقبولة من طرف الأشخاص الذاتيين أو الأشخاص المعنوية كوسيلة للتبادل، كما يمكن تحويلها وتخزينها أو تبادلها الكترونيا". |
| العملات المشفرة من زاوية القانون الضريبي (الفصل 150VH مكرر من المدونة العامة للضرائب بفرنسا) | "العملات المشفرة مال لا مادي يجسد رقمها حق أو مجموعة حقوق يمكن إصدارها، تسجيلها، تخزينها أو تحويلها عبر نظام تخزين رقمي مشترك يمكن بشكل مباشر أو غير مباشر من التعرف على صاحب ذلك المال". |
والحقيقة أن المحاولات السالف ذكرها لم تقدم تعريفا جامعا للعملات المشفرة، بقدر ما حاولت تأطير الموضوع من زاوية الالتزامات الضريبية والمالية التي يمكن أن يخضع لها الأشخاص والمقاولات التي تنجز عمليات بواسطة العملات المشفرة.
ويبقى هذا الأمر طبيعيا ما دمنا أمام ظاهرة جديدة مازالت العديد من الجوانب المحيطة بها غامضة وغير واضحة، وبالتالي فلا يمكن التنبؤ بمستوى تطورها في المستقبل، لذلك يمكن القول بأن أي محاولةٍ لتعريف العملات المشفرة فإنه يجب أن تمر بداية عبر تحديد بنيتها ومنظومة اشتغالها وفق ما سيتم توضيحه في المحور الموالي.
بنية العملات المشفرة
بالرغم من تعدد العملات المشفرة أو الافتراضية فإن كل واحدة منها تنفرد عن غيرها ببنية خاصة بها وبمنظومة اشتغال تميزها عن باقي العملات، وإن كانت جميعها تقوم على استخدام التشفير "cryptographie"كأداة لضمان سلامة العمليات ومشاركة جميع أفراد المنظومة في تأمين سلامة المعاملات.
![]() |
| العملات المشفرة |
ولكي نفهم بنية العملات المشفرة فلابد من أخذ ثلاثة عناصر بعين الاعتبار تتمثل في كل من التشفير (la cryptographie) وسلسلة الكتل (block Chain) والتعدين (le minage) وفق ما سيتم تفصيله مما يلي.
التشفير
يقصد بالتشفير تحويل البيانات الى شكل لا يمكن فهمه أو الاطلاع عليه إلا عند التوفر على مفتاح فك التشفير، وذلك على نحو يسمح للأفراد بحماية معطياتهم وتبادل الرسائل والمعطيات الكترونيا دون الخوف من الاطلاع عليها من طرف شخص ثالث غير مخول له ذلك بحيث تنقسم عملية التشفير الى مرحلتين.
- مرحلة تشفير البيانات باستعمال مفتاح التشفير وذلك بتحويلها من صيغتها العادية المقروءة الى صيغة مشفرة.
- مرحلة فك التشفير بحيث يتم استخدام مفتاح فك التشفير الذي يملكه الطرف المستقبل، وذلك بإرجاع البيانات الى صيغتها العادية المقروءة.
- تشفير متطابق، بحيث يكون المفتاح المستعمل في عملية التشفير هو نفسه، سواء خلال عملية تشفير البيانات أو خلال عملية فك التشفير، وهو ما يقتضي أن يمتلك كل من المرسل والمستقبل نفس المفتاح المتفق عليه مسبقا.
- تشفير غير المتطابق، حيث يتم استعمال مفتاح لتشفير البيانات يمتلكه المرسل، ومفتاح لفك التشفير يمتلكه المستقبل ويعرفه وحده، إذ يمتلك في التشفير غير المتطابق كل من الشخص المرسل والمستقبل مفتاحين أحدهما عام وآخر خاص.
🖘 أما المفتاح الخاص، فيكون بحوزة المستقبل وحده، كما هو الشأن بالنسبة للقن السري لفتح البريد الالكتروني.
وقد نظم المشرع المغربي التشفير بموجب المادة 128 من القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، والتي تنص على أن وسائل التشفير تهدف على الخصوص الى ضمان سلامة تبادل المعطيات القانونية بطريقة الكترونية أو تخزينها أو هما معا، بكيفية تمكن من ضمان سريتها ومراقبتها ومراقبة تماميتها..".
ومنظومة العملات المشفرة تقوم أساسا على نظام التشفير، فعلى سبيل المثال فيما يخص "البيتكوين" فكل مستعمل يمتلك محفظة رقمية أو ما يسمى ب"wallet" لها عنوان رقمي يتخذ شكل مفتاح عام يشبه الدور الذي يلعبه رقم تعريف الحساب البنكي "RIB"، هذا العنوان أو المفناح العام يكون متاحا للعموم.
كما يكون عنوان البريد الالكتروني "الإميل" متاحا للعموم، ويمتلك صاحب المحفظة الالكترونية أيضا مفتاحا خاصا، عبارة عن رقم أو بيانات سرية لا يعلمها إلا صاحب المحفظة التي تحمل العملة الافتراضية "بيتكوين"، وهو ما يسمح بالتعامل بين المحفظات الرقمية داخل الشبكة بشكل آمن.
حيث يتم التعرف على المرسل والمرسل اليه والتأكد من صحة البيانات المرسلة ذات الصلة بالعملة الافتراضية التي يكون موضوعها تبادل لهذه العملات أو استبدال هذه العملات بسلع أو ممتلكات أو مبالغ مالية.
سلسلة الكتل
إذا كان التشفير يسمح للأطراف بتبادل رسائل تتعلق بمعلومات أو معاملات لا يمكن الاطلاع على محتواها إلا من قبل أطراف المعاملة، فإن الحاجة تبقى قائمة الى تدوين وثيقة هذه المعاملة، للرجوع اليها في المستقبل وإنجاز معاملات أخرى، وهذا ما تتيحه تكنولوجيا سلسلة الكتل.
وسلسلة الكتل أو ما يسمى بالبلوكشين block chain عبارة عن تكنولوجيا تسمح بتخزين ونقل المعلومات والمعاملات رقميا، فهي عبارة عن قاعدة بيانات عالمية موزعة على مجموعة من المستعملين عبر العالم.
وبذلك فهي نظام لا ممركز قائم على مبدأ "الند للند"(pair à pair)، ولا يحتاج الى تدخل طرف ثالث كالبنك المركزي على سبيل المثال للإشهاد على سلامة المعاملة، بحيث تحل الثقة التي يمنحها نظام التشفير محل الثقة التي يمنحها البنك المركزي بالنسبة للنقود التقليدية.
ويمكن اعتبار سلسلة الكتل بمثابة سجل رقمي عام شبيه بدفتر الأستاذ الذي يمسكه التجار وخاصة الشركات، وبمعنى أوضح فعندما ينجز أحد المستعملين معاملة معينة عبر سلسلة الكتل.
فإن هذه المعاملة تضم الى المعاملات السابقة ذات الصلة لتكون معها كتلة واحدة، وعندها يتحقق أعضاء شبكة سلسلة الكتل الذين يطلق عليهم ب "عُقد الشبكةnœuds "بمعنى آلاف الأشخاص والحواسيب الذين يشاركون في سلسلة الكتل عبر العالم.
فيتحققون من صحة وسلامة المعاملة الجديدة التي انضمت الى الكتلة، وذلك بمقارنتها بالمعاملات ذات الصلة بها عبر نظام للتشفير يسمح بالتحقق من تطابق بيانات المعاملة الجديدة مع البيانات الموثوق بها والمسجلة سابقا ضمن سلسلة الكتل.
التعدين
فالتعدين يقصد به تلك العملية التي يطلق عليها إثبات العمل proof of work، التي يقوم بها أعضاء شبكة سلسلة الكتل للتحقق من سلامة المعاملة، ويطلق عليهم ب"المُعدنون"أو المنجمون، نسبة الى عمل المنجمي الذي يكشف المعادن الثمينة،
وذلك بالنظر الى أن التحقق من سلامة العملية على شبكة سلسلة الكتل، هو عمل شاق وصعب يتطلب حل مجموعة من المعادلات الرياضية، وإنجاز عدد هائل من العمليات الحسابية في كل ثانية في إطار ما يعرف ب لوغاريتمية sha-256، وهو عمل مريح، لأنه عند الوصول الى اكتشاف الكتلة الجديدة التي تضم الى سلسلة الكتل، يتلقى المُعدن مقابل ذلك مكافئة عبارة عن عملات مشفرة.
الطبيعة القانونية للعملات المشفرة
إن العملات الالكترونية تعتبر من الظواهر الحديثة التي ارتبطت بثورة التكنولوجيا الرقمية، كما يعتبر تحديد الطبيعة القانونية للعملات المشفرة مدخلا أساسيا للحكم على مدى مشروعية التعامل بها ولضبط التكييف القانوني للجرائم ذات الصلة بها.
![]() |
| الطبيعة القانونية للعملات المشفرة |
ومسألة تحديد الطبيعة القانونية للعملات المشفرة ليست بالمسألة البسيطة، بسبب حداثة هذه الظاهرة، ولما تتميز به من بنية مركبة، إذ أنها من جهة تقوم بنيتها على ثلاث مكونات تتمثل في:
- التكنولوجيا الرقمية.
- التشفير.
- الرياضيات.
وتعتمد من جهة ثانية على هندسة تختلف من عملة الى أخرى، ومن جهة ثالثة يتعين التمييز بين العملة المشفرة وبين نظام اشتغالها، "فالبتكوين" على سبيل المثال يجب التمييز بشأنه بين البتكوين كوحدة تجسد العملة المشفرة وبين البتكوين كنظام معلوماتي للتعامل بهذه العملة المشفرة.
وبالتالي فإن تحديد الطبيعة القانونية للعملة المشفرة ليس محط إجماع، إذ أن بعض الدول تذهب الى اعتبارها عملة رقمية كالأرجنتين ولبنان، وتعتبرها دول أخرى سلعا افتراضية كما هو الحال بالنسبة لكندا والصين وتايوان.
ومن ثم هناك دول أخرى تعتبرها وحدة مشفرة للدفع (tokens) مثلا كألمانيا وسويسرا، وأخيرا هناك أيضا دول تعتبرها أصولا مشفرة كما هو الشأن بالنسبة للمكسيك وهندوراس.
ومن خلال اطلاعنا على أحكام القانون المقارن ومحتلف الدراسات المنجزة بشأن العملات المشفرة، فيمكن التعامل مع مسألة تحديد طبيعتها القانونية من خلال الإجابة على أربعة أسئلة:
فهل تعبر العملات المشفرة نقودا؟ وهل هي مال منقول؟ وهل تعتبر هذه العملات بضاعة؟ وهل تعتبر وسيلة أداء؟هل تعتبر العملات المشفرة نقودا؟
كما هو معلوم أن النقود هي أداة تتمتع بقبول عام من طرف أفراد المجتمع كوسيلة للتبادل، والنقود في صيغتها الراهنة تنقسم الى نقود معدنية ونقود ورقية ونقود الكترونية.
والنقود الالكترونية تعتبر صيغة غير مادية للنقود الورقية، بحيث يتم تحول النقود الورقية الى نقود الكترونية تستخدم في الدفع الالكتروني أ تحويل المبالغ المالية إلكترونيا.
وباستحضار مفهوم النقود ووظائفها فإنه يمكن القول بأن العملات المشفرة في صورتها الحالية، لا يمكن أن تعتبر نقودا نظرا لعدم استجماعها لخصائص ووظائف النقد.
فمن جهة لا يمكن مماثلتها بالنقود الالكترونية، لأن هذه الأخيرة كما تم الإشارة الى ذلك مسبقا فهي لا تعتبر نقودا في ذاتها، وإنما تعتبر تجسيدا لا ماديا للنقود الورقية، أي أنها ترتبط برصيد حقيقي من النقود المتداولة رسميا داخل الدولة.
في حين أن العملات المشفرة كالبتكوين وغيرها لا ترتبط بأي نقود أو حسابات بنكية، وإنما هي نتائج لعمليات حسابية معلوماتية مخزنة على أجهزة الحاسوب.
- وظيفته كوسيلة للمبادلات
- ووظيفته كوحدة حساب أو مقياس لتحديد قيمة السلع والخدمات
- وظيفته كمخزن للقيمة أو حفظ الثروة.
هل تعتبر العملة المشفرة مال منقول معنوي؟
لقد ذهب بعض الباحثين في هذا الشأن الى أنه وأمام عدم توفر خصائص النقود في العملات المشفرة، فإنه يمكن من زاوية القانون المدني اعتبار هذه العملات وعلى رأسها البتكوين بمثابة مال منقول معنوي.- فهي مال، لكونها ذات قيمة مالية قابلة للتقويم والتقدير بمبلغ من المال.
- وهي منقول لكونها تقبل التداول.
- هي مال معنوي، لأنها غير محسوسة من الناحية المادية وإن كان لها وجودها المستقل، بالنظر الى أن كل وحدة بتكوين تتجسد في شكل رقم أو شفرة خاصة تميزها عن باقي وحدات البتكوين الأخرى، على نحو يسمح بتملكها من طرف أصحابها.
وفي الحقيقة فإن هذا الرأي يظل منسجما مع نظام الأموال، وخاصة في الدول التي نهلت من النظام الجرماني اللاتيني، ذلك أن عناصر مفهوم المال وعناصر مفهوم الملكية كلها متوفرة في العملات المشفرة، فباستحضارنا للنظريات التي تمحورت حول مفهوم الملكية، نجد أن الملكية تتحقق وفق منظور "جون لوك" من خلال العمل وبدل الجهد لإعطاء قيمة للمال وإخراجه من نطاق الملكية المشاعة، الى نطاق الملكية الخاصة.
وهذه الأمور محققة في العملات المشفرة ما دام أن تعدين هذه العملة يتطلب الكثير والكثير من الجهد والوقت والطاقة.
ومن منظور النظرية النفعية فإن الملكية تتحقق متى كان للشيء قيمة محددة، وهو ما ينطبق على العملات المشفرة بالنظر لما لهذه الأخيرة من قيمة مالية قابلة لتقويم مقابل مبلغ من النقود، كما أنها ذات نفع يتمثل في كونها تستعمل في إجراء المعاملات.
وأخيرا فإنه وفقا للنظريات الحديثة حول مفهوم الملكية ومنها نظرية لقيمة الاقتصادية التي تستند على التحليل الاقتصادي للقانون، فإن الملكية تتحقق عندما يكون للشيء قيمة اقتصادية نتيجة ندرة الموارد الاقتصادية، وهذا أيضا أمر محقق في العملات المشفرة، مادام أن هندستها مصممة لإعطاء قيمة اقتصادية للعملة المشفرة استنادا الى منطق رياضي يحقق ندرة رقمية.
ومن ناحية مفهوم المال، فإنه إذا تجاوزنا النظرية التقليدية التي كانت تجعل الشيء منطلقا لتحديد المال وفق ما تأثر بذلك القانون المدني الفرنسي في الفصل 544، فإنه باستحضار المفهوم الحديث للمال الذي يتمحور حول المنافع المتحصلة على الأشياء والحقوق المنصبة عليها.
فيمكن القول إذن أن العملات المشفرة تدخل في باب الأموال، مادام أنها ذات قيمة مالية، ويمكن ممارسة حقوق الملكية عليها المتمثلة في الاستئثار بها واستعمالها والتصرف بكل حرية فيها سواء بعوض أو بغير عوض.
هل العملة المشفرة تعتبر وسيلة أداء؟
إن العملات المشفرة تعتبر وحدات افتراضية ذات قيمة اقتصادية، وهو الأمر الذي يجعلها أقرب الى مفهوم المال المنقول المعنوي، وفقا لما تم تفصيله فيما سبق، إلا أن ما يميز العملات المشفرة هو أنها من جهة عبارة عن وحدات مشفرة، ومن جهة أخرى هي عبارة عن نظام لإجراء المعاملات بواسطة العملات المشفرة استنادا الى سلسلة الكتل.
وهذا ما يجعل مسألة التكييف القانوني للعملات المشفرة تتأثر أيضا بهذه الوظيفة المزدوجة للعملات المشفرة على النحو الذي ذهبت اليه محكمة العدل الأوروبية، حين اعتبرت "البتكوين" وسيلة أداء اتفاقية معفاة من الضريبة على القيمة المضافة، شأنها في ذلك شأن العمليات المتعلقة بالعملة، ووسائل الأداء القانونية الأخرى.
وبالتالي أصبحت دول الاتحاد الأوروبي تعفي المعاملات بواسطة العملات المشفرة من الضريبة على القيمة المضافة، كما أن بعض الدول أصبحت تنظم منصات التعامل بالبتكوين كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا التي نظمتها بموجب القانون الإطار رقم 486-2019.
هل العملات المشفرة قيمة اقتصادية منظمة قانونا
من خلال ما سبق بيانه بشأن الطبيعة القانونية للعملات المشفرة، يتضح لنا أن الأطر القانونية القائمة لا تسعف في تنظيم هذه العملات المشفرة، ورغم تسميتها فهي لا تتوفر على خصائص النقود والعملة، وعلى رأسها القبول العام باعتبارها وسيلة أداء من جهة.
ومن جهة ثانية فإن المحاولات التي ذهبت الى اعتبار العملات المشفرة مالا منقولا معنويا، تصطدم بعقبة قانونية تتمثل في عدم وجود إطار قانوني _خصوصا في التشريع المغربي_ ينظم الملكية الافتراضية.
ولحدود الساعة لا توجد أي نصوص قانونية تنظم ملكية البيانات المعلوماتية، فرغم تنظيم بعض الأموال المعنوية كالأصل التجاري وملكية الشخص المعنوي، ورغم تنظيم الملكية الفكرية بما في ذلك الملكية الفكرية على برامج الحاسوب.
فإن هذه الأموال تتميز بارتباطها بأشياء أخرى تجسد وجودها كمال له قيمة اقتصادية، على غرار الاسم التجاري والبضائع والمعدات والأدوات وغيرها، بالنسبة للأصل التجاري، والكلمات والرسوم والدعامة والآلة بالنسبة لبرامج الحاسوب.
والرأسمال والمقر بالنسبة للشخص المعنوي عندما يتعلق الأمر بشركة، في حين تبقى العملات المشفرة مجرد أرقام وشفرات لا تحظى لحدود الساعة بأي تنظيم قانوني باعتبارها مالا من الأموال.
وفي الأخير يمكن القول بأن هذه العملات المشفرة تبقى قيما اقتصادية وافتراضية، تتمرد على الأطر القانونية القائمة، إلا أنها بحاجة الى تدخل تشريعي لتنظيمها ونقلها من دائرة المصالح الواقعية الى دائرة المصالح القانونية، من أجل حماية الملكية المنصبة عليها وترتيب المسؤوليات عن المعاملات المنجزة بواسطتها خصوصا في حالة الاستعمال غير المشروع لهذه العملات.


