📁 آخر الأخبار

صلاحيات المحامي بشان توثيق التصرفات العقارية

صلاحيات المحامي بشان توثيق التصرفات العقارية

إن صلاحية المحامي بخصوص تحرير العقود بصفة عامة تجد سندها في القانون 28.08 المنظم لمهنة المحاماة، ومن ثم فإن ارتباط صلاحية تحرير العقود بالمعاملات العقارية، يجعل المرجعية القانونية لهذه الصلاحية متعددة، فمنها ما يندرج في إطار القوانين العقارية الخاصة كما هو الشأن بالنسبة لقانون الالتزامات والعقود، ومنها كذلك ما يندرج في إطار مدونة الحقوق العينية.

صلاحيات المحامي بشان توثيق التصرفات العقارية
صلاحيات المحامي بشأن التصرفات العقارية

وفي هذا الصدد يعتبر الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود أول نص قانوني أقر الكتابة كوسيلة للإثبات كلما كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية وألزم أن يحرر في محرر ثابت التاريخ، ولتجاوز الغموض والاختلاف الذي صاحب تطبيق مقتضيات هذا الفصل.

وقد تدخل المشرع المغربي من خلال المجموعة القانونية العقارية الخاصة، التي أكدت على مدى أهمية مؤسسة التوثيق في مجال العقار والتصرفات الواردة عليه، وقد جعلت من مهنة المحاماة شريكا أساسيا في منظومة توثيق التصرفات العقارية نظرا لما لها من كفاءة وخبرة في المجال القانوني.

بحيث أصبح بذلك بإمكان المحامي أن يقوم بتحرير العقود التي يكون موضوعها بيع عقار في طور الإنجاز سواء في مرحلة العقد الابتدائي أو الانتهائي، أو تعلق الامر بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، او كذلك بالنسبة للعقود المتعلقة بالإيجار المفضي لتملك عقار.

ومدونة الحقوق العينية جاءت لتعزيز النصوص القانونية التي خولت للمحامي صلاحية تحرير العقود بموجب المادة الرابعة منها.والى جانب حق المحامي في تحرير التصرفات العقارية التي كرستها النصوص القانونية التي تطرقنا اليها أعلاه، حددت الإطار الذي ينبغي لهذا الأخير عدم تجاوزه وإلا عرض نفسه للمساءلة نتيجة ذلك.

وبالتالي فليست كل العقود تدخل ضمن صلاحية المحامي، كما أن الاختصاص المكاني كذلك يقيد هذه الصلاحية هو الآخر.
وبناء على ما سبق فإننا سنتطرق بداية للأساس القانوني لصلاحية المحامي في تحرير التصرفات العقارية، ثم بعدها لحدود اختصاصه في توثيق تلك التصرفات.

الأساس القانوني لصلاحية المحامي في تحرير التصرفات العقارية

لقد شكلت سنة "2002" محطة مهمة باعتبارها منطلقا لتدخل المشرع المغربي لأجل تقييد حرية المتعاقدين في اختيار محرر العقد، في حين أنه قبل هذا التاريخ كانت أغلب المعاملات العقارية تنجز في إطار المحرر العرفي وذلك بالنظر ليسره وسرعة إنجازه وانخفاض تكلفته.

إلا أنه نظرا للإشكالات التي يعرفها سواء فيما يخص صياغة وثائق التعاقد، وعدم مراعاتها لبعض الأوضاع القانونية التي يشترطها المشرع لصحة العقود، مما يترتب عنه إما بطلان المحرر، أو إثارة صعوبات أثناء مرحلة التنفيذ، مما جعل المشرع يتدخل في مجال التصرفات العقارية بتبنيه للرسمية في الاثبات مع الإبقاء على مجال العقود العرفية وذلك من خلال حصر الجهات المخول لها تحريرها.

وقد جاء بمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل 618 من قانون الالتزامات والعقود، كما تم تغييره وتتميمه بموجب المادة الفريدة من القانون 107.12 والذي جاء بما يلي:

"يجب أن برد عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز إما في محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتم توثيقه من طرف مهني ينتمي الى مهنة قانونية منظمة يخول لها قانونها تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان".

كما جاء كذلك بمقتضى المادة 12 من القانون رقم 18.00 المتعلق بالملكية المشتركة للعقارات المبنية أنه:

"يجب أن تحرر جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية المشتركة أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي الى مهنة قانونية منظمة يخولها قانونها تحرير العقود وذلك تحت طائلة البطلان".

كذلك جاء بمقتضى المادة 4 من القانون رقم 51.00 أنه:

"يجب أن يحرر عقد الايجار المفضي الى املك العقار بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ، يتم تحريره من طرف مهني ينتمي الى مهنة قانونية ومنظمة يخولها قانونها تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان".

وبرجوعنا للنصوص والمقتضيات القانونية المبسطة أعلاه، فإنه نجدها كلها تنص بشكل صريح على وجوب تحرير المعاملات المبرمة بشأنها إما في عقد رسمي أو في محررٍ ثابت التاريخ، مع الإشارة الى الاكتفاء بمحررين مهنيين محددين ضمن لائحة سنوية يضعها وزير العدل، والتي يقيد فيها بقوة القانون المحامي ليؤكد على وجوب توفره على صفة وأهلية قبول الترافع أمام محكمة النقض.

والمشرع استلزم شروطا في الشخص المؤهل لتحرير هذه العقود، بدءا بوجوب انتمائه الى مهنة قانونية منظمة وقبوله للترافع أمام محكمة النقض بالإضافة الى ضرورة إدراجه باللائحة السنوية التي يعدها وزير العدل والمتضمنة لأسماء المقبولين لتحريرها.

وهنا نجد بأن القوانين العقارية الخاصة تتقاطع مع القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة، باعتباره من أوضح القوانين التي تصرح بهذه الإمكانية، وهو ما نجده بشكل صريح في المادة 30 منه كما يلي:

"يمارس المحامي مهامه بمجموع تراب المملكة، ...وتشمل هذه المهام:
6- تحرير العقود، غير أنه يمنع على المحامي الذي حرر العقد أن يمثل أحد طرفيه في حالة حدوث نزاع بينهما بسبب العقد".

ويتضح لنا أن عمومية هذا المقتضى تسمح للمحامي بإمكانية تحرير العقود، بغض النظر عما إذا كان متمرنا أو مستقلا بنفسه أو مساعدا أو شريكا لزميل له في المهنة، وبصرف النظر عما إذا كان مقبولا للترافع أمام محكمة النقض أم لا.

إلا أن القوانين 18.00 و44.00 و51.00 حينما استعملت عبارة "يقيد باللائحة المحامون المقبولون للترافع أمام محكمة النقض طبقا للفصل 34 من القانون 28.08"، منحت للمحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض بصفة استثنائية إمكانية تحرير هذه العقود ليس بصفتهم كمحامين، وإنما كمهنيين مقبولين لتحرير هذه العقود، ما دام أن تقييدهم باللائحة التي يتم تحديدها من طرف وزير العدل كل سنة يتم بقوة القانون، دون الالتفات الى شروط التقييد التي ستحدد بنص تنظيمي.

كما تعتبر المادة 4 من مدونة الحقوق العينية من الأحكام العامة لتوثيق التصرفات العقارية، بحيث أن غيرها من المواد القانونية سواء تلك الواردة بنفس المدونة أو في قوانين أخرى يشكل استثناء على هذه الأحكام.

ويلاحظ من خلال استقرائنا للمادة 4 من مدونة الحقوق العينية أنها نصت بشكل صريح على أن المحامي المخول له صلاحية تحرير التصرفات العقارية هو المقبول للترافع أمام محكمة النقض، ولم تربط صلاحياته هاته بالتقييد في اللائحة الإسمية السنوية، بخلاف ما جاء في القوانين السالف ذكرها أعلاه، بحيث تجاوزت هذا الامر من خلال منحها الصلاحية للمحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض بتحرير التصرفات العقارية دون ربط ذلك بأي إجراء من الإجراءات.

حدود اختصاص المحامي في توثيق التصرفات العقارية

إن مسألة إبراز حدود اختصاص المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض تتجلى أهميته في رسم الإطار الذي ينبغي عليه عدم تجاوزه، وإلا عرض نفسه بذلك للمساءلة، لأنه ليست كل العقود تدخل ضمن صلاحيات المحامي، بالإضافة الى أن الاختصاص المكاني للمحامي المقبول، له من الخصوصيات ما يجعله مختلفا عن محرري العقود الرسمية.

وسنتطرق بشأن ذلك بداية للاختصاص النوعي للمحامي في توثيق التصرفات العقارية بعدها لحدود اختصاصه المكاني.

الاختصاص النوعي للمحامي

فبالنسبة للاختصاص النوعي للمحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض بشأن توثيق التصرفات العقارية، يختص بناء على المادة 4 من مدونة الحقوق العينية بتوثيق مختلف التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى، أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها، وكذا الوكالات الخاصة بها، سواء تعلقت هذه التصرفات بالعقار المحفظ أو بالعقار غير المحفظ.

بالإضافة الى ذلك فإنه يختص كذلك بتوثيق المعاملات المتعلقة بالملكية المشتركة، والعقارات في طور الإنجاز والايجار المفضي الى تملك العقار.

بالإضافة الى أن اختصاص المحامي يشمل كذلك العقود المبرمة من طرف الدولة المنصبة على ملكها العام كعقود التفويت أو المعاوضة.

ومن بين الاختصاصات التي ترد عليها بعض الاستثناءات، والتي عبرت عنها المادة 4 من مدونة الحقوق العينية التي جاء فيها: "ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك" والمتمثلة فيما يلي:

  • المادة 25 من مدونة الأوقاف؛
  • المادة 42 من القانون 81.07 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت؛
  • المادة 296 من مدونة الأسرة؛
  • المادة 29 من القانون رقم 25.90 المتعلق بالمتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات؛
  • الفصل 427 من قانون الالتزامات والعقود المتعلق بالتزامات الأمي؛
  • المادة الفريدة من القانون رقم 22.13 القاضي بتتميم المادة 174 من القانون رقم 39.08؛
  • حق العمري، في المادة 106 من مدونة الحقوق العينية؛
  • الرهن الحيازي، المادة 147 من مدونة الحقوق العينية؛
  • عقد المغارسة، المادة 268 من مدونة الحقوق العينية؛
  • عقد الهبة، المادة 274 من مدونة الحقوق العينية.

بالاضافة الى المادة 92.1.28 من المدونة العامة للضرائب والمتعلقة بالوعد بالبيع؛وعقد البيع المتعلق بالسكن الاجتماعي.

الاختصاص المكاني

فيما بشأن الاختصاص المكاني المخول للمحامي بخصوص توثيق التصرفات العقارية، ونجد أن المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية السالف ذكرها أعلاه، تنص على شرط التعريف بإمضاء المحامي لدى رئيس كتابة ضبط المحكمة الابتدائية التي يمارس مهامه بدائرتها.

فيكون بذلك الاختصاص المكاني مقيدا بهذه المادة (المادة 4 م ح ع)، وذلك بالرغم من التناقض الذي تعرفه مع مقتضيات بعض المواد الأخرى، كما هو الشأن بالنسبة للقانون 28.08 المنظم لمهنة المحاماة والذي جاء في مادته 30 أنه:

"يمارس المحامي مهامه بمجموع تراب المملكة مع مراعاة الاستثناء المنصوص عليه في المادة 23..".

كما تنص كذلك المادة الرابعة من نفس القانون على أنه:

"يمارس المحامون مهنتهم في إطار هيئة المحامين المحدثة لدى محكمة الاستئناف... ".

كان هذا فيما يخص صلاحيات المحامي في إبرام وتوثيق التصرفات العقارية أتمنى أن يكون الموضوع مفيدا بالنسبة لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تعليقات