القيود الواردة على حق الملكية
يعد حق الملكية من أهم الحقوق الدستورية التي تضمن للفرد حرية التصرف والاستغلال والانتفاع بممتلكاته في حدود القانون، ومع ذلك، فإن هذا الحق المطلق في جوهره ليس مطلقاً في تطبيقه العملي، إذ تتطلَّب المصلحة العامة والتوازن الاجتماعي فرض ضوابط معينة لضمان عدم تعسف المالك في استخدام حقه، أو الإضرار بالغير.
![]() |
| القيود التي ترد على حق الملكية. |
ونظرا للوظيفة الاجتماعية التي يلعبها حق الملكية في الوقت الحاضر، فقد تدخل المشرع للحد منها وفرض قيودا عليها سواء من حيث حرية التملك أو من حيث سلطات المالك على ملكه.
القيود التي تحد من حرية التملك
حفاظا على المصلحة العامة عمل المشرع على تقييد حرية التملك في بعض الحالات أهمها:
نزع الملكية من أجل المنفعة العامة: جاء في هذا الشأن في المادة 23 من م.ح.ع : (لا يحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون.
لا تنزع ملكية أحد إلا لأجل المنفعة العامة ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون، ومقابل تعويض مناسب.
ومعلوم أن القانون المنظم لنزع الملكية لأجل المنفعة العامة هو ظهير 6 ماي 1982 الذي يخول هذا الحق للدولة والجماعات المحلية والأشخاص المعنويين الآخرين الجاري عليهم أحكام القانون العام أو الخاص أو الأشخاص الطبيعيين الذين تفوض لهم السلطة العامة حقوقا للقيام بأشغال وعمليات معلن أنها ذات منفعة عامة (الفصل 3 من الظهير).
ومعلوم أيضا أن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة يتم بحكم قضائي وفق مسطرة محددة نص عليها هذا الظهير.
منع الأجانب من التملك في المناطق القروية إلا بترخيص إداري سابق تبعا الأحكام ظهير 26 شتنمبر 1963 الذي يقضي باسترجاع الدولة للأراضي الواقعة في الدوائر القروية والذي يملكها الأجانب.
فتجنبا لتفويت الأملاك الفلاحية القروية التي كان يملكها معمرون أجانب فقد نص الفصل 9 من الظهير المذكور على أنه يمنع على العدول والموثقين والمحافظين وقباض التسجيل تحرير أو تلقي أو تسجيل العقود المثبتة للعمليات المشار إليها ما لم تكن مصحوبة بالرخص الإدارية المطلوبة.
القيود التي تحد من سلطات المالك
ثمة قيود يفرضها القانون على سلطة المالك في استعمال حقه منها:
أ- قيود تتعلق بأنظمة البناء وضوابطه
لا يكون للمالك الحرية في إقامة بناء فوق أرضه وفق هواه بل يتعين عليه أن يحترم خصوصا المقتضيات الواردة في ظهير 17 يونيو 1992 المتعلق بالتعمير ومرسوم تطبيقه الصادر بتاريخ 14 أكتوبر 1993.
وتشمل هذه المقتضيات بالخصوص ضرورة الحصول على رخصة البناء 15 والاستعانة بمهندس معماري لإنجاز تصميم وفق الشروط المنصوص عليها في الظهير المذكور.
إضافة إلى ذلك يتعين احترام ضوابط البناء العامة وهي تهم:
- شكل وشروط تسليم الرخص وغيرها من الوثائق المطلوبة بمقتضى الظهير والنصوص التشريعية الخاصة بالتجزءات العقارية، والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والنصوص الصادرة لتطبيقها.
- ضوابط السلامة الواجب مراعاتها في المباني والشروط الواجب توافرها فيها لما تستلزمه متطلبات الصحة والمتطلبات الجماعية ومقتضيات الراحة العامة خصوصا:
- مساحة المحلات وحجمها وأبعادها.
- شروط تهوية المحلات خصوصا فيما يتعلق بمختلف الأحجام والأجهزة التي تهم الصحة والنظافة.
- الحقوق التي يتمتع بها في الطرق العامة أصحاب العقارات المجاورة لها.
- ضوابط طرق البناء الحضور استخدامها.
- التدابير المعدة للوقاية من الحريق.
- طرق الصرف الصحي والتزود بالماء الصالح للشرب.
- الالتزامات المتعلقة بصيانة الأملاك العقارية والمباني.
ب - الامتناع عن إقامة منشآت مزعجة أو مضرة بالجيران
يمنع على المالك أن يحدث منشآت تلحق الضرر بالسكان المجاورين أو تزعج راحتهم. وهذا ما نصت عليه المادة 77 من مدونة الحقوق العينية بقولها:
"يجب أن تقام المصانع وغيرها من المحلات المضرة بالصحة أو الخطرة أو المقلقة للراحة بالمواصفات وعلى المسافات وداخل المنطق المنصوص عليها في القانون.
كما يجب على مالكها اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على البيئة والحيلولة دون الإضرار بأي أحد مع مراعاة القوانين الجاري بها العمل في هذا الباب".
وللإشارة فالأضرار المترتبة عن علاقات الجوار والتي يتعين رفعها هي "الأضرار الفادحة".
أما "الأضرار العادية" المألوفة فيتسامح بشأنها، وهذا ما أجملتهمدونة الحقوق العينية ضمن مادتين المادة 21 وجاء فيها:
" لا يسوغ لمالك العقار أن يستعمله استعملا مضرا بجاره ضررا بليغا، والضرر البليغ يزال والمادة 71 التي نصت على ما يأتي: ليس للجيران أن يطالبوا بإزالة مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها وإنما لهم أن يطالبوا بإزالة المضار التي تتجاوز الحد المألوف على أن يراعى في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة للآخر والغرض التي خصت له.
لا يحول الترخيص الصادر من السلطات المختصة دون استعمال الحق في المطالبة بإزالة الضرر.
سيلان مياه الأمطار
يتعين على كل مالك أن يبني سطحه بطريقة تسيل معها مياه الأمطار في ارضه أو في الطريق العمومي. لا يحق له تصريف هذه المياه في الأراضي المجاورة جاء بهذا الخصوص ضمن المادة 62 من م. ح. ع : يجب على مالك الأرض إذا أراد إحداث أبنية عليها أن يقيم سطوحها وشرفاتها بشكل يسمح بمسيل مياه الأمطار ونحوها على أرضه لا على أرض جاره).
ج - فتح المطلات على الأراضي المجاورة
توجد عدة قيود قانونية يتعين على مالك العقار احترامها عند فتحه نوافذ أو مطلات او مناور قرب أرض الجار والمثال على ذلك ما نصت عليه م.ح. ع. كما يأتي:
- لا يحق لمالك عقار أن يفتح في حائط ملاصق لملك جاره نوافذ أو شبابيك أو أي فتحات مماثلة إلا برضى صاحب الملك المجاور (المادة (66).
- كما لا يسوغ للمالك أن يبني في حدود أرضه دون اعتبار للنوافذ والشبابيك المفتوحة على ملكه إلا عند وجود اتفاقات مخالفة (المادة (67).
- أيضا لا يحق فتح مطلات او شرفات أو فتحات أخرى مشابهة إلا مع احترام مسافات معينة : مسافة مترين إذا كانت مواجهة لملك الجار ومسافة متر واحد إذا كانت منحرفة. ولا ينطبق هذا المنع على المطلات والشرفات المفتوحة على الطريق العمومي.
ذلك مع العلم أن المسافات المذكورة تحسب من ظهر الحائط الذي فتحت فيه المطلات أو من خارج الشرفة، وذلك إلى غاية الخط الفاصل بين الملكين، مع احترام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل (المادة (68).
د- غرس الأشجار والمغروسات
يجوز للمالك أن يقوم بغرس أشجار ومغروسات في حدود أرضه شرط احترام قيود نصت عليه المادة 72 من م.ح.ع بقولها : على المالك أن لا يغرس اشجار أو شجيرات أو أغراسا على حدود أرضه أو يعوضها إذا ماتت أو قطعت أو قلعت دون مراعات المسافات التي تحددها الأنظمة.
فإذا لم تكن هناك أنظمة تحدد المسافات وجب عليه أن يغرسها بعيدا عن الحد الذي يفصل أرضه عن أرض جاره بمسافة لا تقل عن مترين اثنين إذا كانت المغروسات مما يفوق ارتفاعها متزين، وعن نصف متر إذا كانت مما دون ذلك.
يمكن أن تغرس الأشجار والشجيرات والأغراس على جهتي الحائط الفاصل بين عقارين دون أن يكون من اللازم مراعاة أي مسافة. غير أنه لا يجوز أن تعلو قمة الحائط، وللجار حق المطالبة برفع ما قد تسببه من أضرار).
م - قيود تمنع المالك من التعسف في استعمال حقه
تمنح الملكية في العصر الحاضر لصاحبها سلطات استعمال واستغلال والتصرف في حقه بهدف الحصول على منفعة مشروعة ومن غير الحاق أدى بالغير.
لذلك اعتمدت أغلب التشريعات الحديثة نظرية منع التعسف في استعمال الحق خصوصا في حقل الملكية العقارية.
والمشرع المغربي لم يعتمد صراحة هذه النظرية، ولكن يمكن الأخذ بها عندنا استنادا إلى الفصل 77 من ق.ل.ع الذي نص على من يأتي:
"كل فعل ارتكبه الانسان عن بيئة واختيار ومن غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، التزم تركبه بتعويض هذا الضرر إذا أثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر".
ومن هنا يتبين أن حق الملكية، يخضع لضرورة تحقيق وظيفته الاجتماعية، مما يبرر القيود الواردة على حق الملكية، هذه القيود سواء كانت لحماية الجوار الخاص أو تحقيق المنفعة العامة، تهدف إلى إقامة توازن دقيق بين حرية المالك وسلامة المجتمع ونظامه العام.
