تعدد أنظمة الملكية العقارية بالمغرب
يعد القطاع العقاري من أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، حيث يشهد تنوعًا كبيرا في طرق التملك وتنظيم الملكية، هذا التنوع يعكس تعدد أنظمة الملكية العقارية بالمغرب، الذي يعد من الخصوصيات البارزة التي تميز النظام القانوني المغربي عن غيره من الأنظمة العقارية في المنطقة.
![]() |
| أنواع الأنظمة العقارية في المغرب | شرح مبسط لأهم النظم العقارية. |
وتتعايش حاليا في بلادنا عدة أصناف للملكية العقارية منها ما هو وليد للأعراف ومنها ما هو منظم بنصوص خاصة، ومن أشهر هذه الأنواع كما سيتم بيانه مما يلي.
أنواع الأنظمة العقارية بالمغرب
1- حق الملكية الخاص
وهو الذي يعود لشخص معين ويخضع خصوصا لمدونة الحقوق العينية، حيث عرفته المادة 14 من هذه المدونة كما يأتي : "يخول حق الملكية مالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه، ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق".
فهذا الحق إذن يمنح صاحبه سلطة كاملة في استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه، في حدود ما يسمح به القانون.
بحيث يتمتع المالك الخاص بحرية تامة في إدارة ملكه، سواء بالتأجير أو البيع أو الهبة، شريطة ألا يترتب على ذلك ضرر للغير أو مخالفة للنظام العام أو القوانين الجاري بها العمل.
كما يحمي القانون المغربي حق الملكية الخاصة حماية قوية، فلا يجوز نزعها إلا للمنفعة العامة وبمقابل تعويض عادل، وفق ما تنص عليه مدونة الحقوق العينية والدستور المغربي.
2- ملك الدولة العام
هو ملك تثبت له صفة المنفعة العامة من ذلك مثلا الشواطئ البحرية والموانئ ومجاري المياه والعيون، والآبار العمومية والسدود وما شابه ذلك من أراضي وعقارات لا يمكن للأفراد تملكها وتبقى مشاعة بين الجميع.
ونشير هنا إلى أنه لا يسوع تفويت الأملاك العمومية ولا تزول ملكيتها بالتقادم، ولا يحق أن تفوت للخواص إلا إذا حولت إلى ملك الدولة الخاص وتم إسقاط الصفة العمومية عنها. وتسري على ملك الدولة العام مقتضيات ظهير فاتحيوليوز 1914 وما أعقبه من تغييرات وتعديلات.
3- ملك الدولة الخاص
ويتمثل في سائر العقارات المبنية أو العارية التي تملكها الدولة وتخصصها للقيام بمهامها من ذلك مثلا المدارس والمستشفيات والمحاكم وكافة البنايات الإدارية العمومية والمساكن التي يقطنها موظفوها، وأيضا الغابات والأراضي الفلاحية المملوكة للدولة.
ومعلوم أن مديرية الأملاك المخزنية التابعة لوزارة المالية هي التي تتكلف بتدبير أملاك الدولة وعقاراتها الخاصة، في حين تسهر إدارة المياه والغابات على تسيير الملك الغابوي وفقا لأحكام ظهير (11) أكتوبر 1917 المتعلق بالمحافظة على الثروات الغابوية واستغلالها. أما مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية التابع الوزارة الطاقة والمعادن فينهض بتدبير شؤون الأملاك المعدنية.
ونشير هنا إلى أنه يمكن مبدئيا تفويت أملاك الدولة الخاصة للخواص أو لغيرهم وفقا لمسطرة مقننة ومحددة في هذا الشأن.
4- ملك الجماعات المحلية المنتخبة
وهو على نوعين:
ملك عام للجماعات المحلية : يتكون من الأملاك العمومية الموجودة بتراب الجماعة حيث تحال هذه الأملاك على الجماعات بالمجان من طرف الدولة ويصبح الإشراف عليها من اختصاص هذه الجماعات.
من ذلك مثلا الطرق والأزقة والساحات والحدائق العمومية والمياه وقنواتها ومجاريها، وذلك عملا بأحكام ظهير 19 أكتوبر 1921 المتعلق بالأملاك العمومية والخصوصية التي تملكها الجماعات المحلية.
و معلوم أن الأملاك العمومية للجماعات المحلية لا يمكن أن تفوت ولا تتملك بالتقادم شأنها في ذلك شأن الملك العام للدولة.
والملك الخاص للجماعات المحلية : يندرج في إطاره كل الأملاك التي تعود للجماعات المحلية والتي لا تصنف ضمن لائحة أملاكها العامة ولا تثبت لها الصبغة العمومية من ذلك مثلا قطع الأراضي التي تتخلى عنها الدولة من ملكها الخاص للجماعة بعوض رمزي أو بدون عوض أحيانا ... والعقارات التي تؤول لهذه الأخيرة بعوض أو بدونه.
وتسرى على الأملاك الجماعية عدة نصوص قانونية أشهرها ظهير 19 أكتوبر 1919 والقرار الوزاري بتاريخ 31 دجنبر 1921، وهما معا ينظمان وضعية الملكية العقارية التابعة للجماعات الحضرية والمراكز المستقلة.
أما الأملاك الخاصة العائدة للجماعات القروية فتحكمها مقتضيات ظهير 28 يونيه 195 ومرسوم 4 فبراير 1959، إضافة إلى قانون 47.06 (الصادر بظهير 30 وفمبر (2007) المتعلق بمالية الجماعات المحلية.
5- الأملاك الجماعية
وتتكون من ملكية القبائل أو الفخذات أو العشائر التي يوحدها الانتماء العرقي أو السلالي، وهي قديمة في المغرب كانت تخضع للأعراف، ثم عمل المشرع على تنظيم الوصاية الإدارية على هذه الأراضي بنصوص متعددة أولها ظهير 27 أبريل 1919 وآخرها ظهير 6 فبراير 1963.
وتعتبر هذه الأملاك الجماعية من الخصوصيات العقارية في المغرب، بحيث تعود ملكيتها إلى جماعات سلالية تمثلها الدولة، كما يمنع تفويتها أو تملكها بصفة فردية، وتخضع هذه الأملاك لإشراف وزارة الداخلية عبر الوصاية الإدارية.
تلعب الأملاك الجماعية دورا اقتصاديًا واجتماعيًا مهمًا، حيث تستغل في الرعي أو الزراعة أو الاستثمار لفائدة الساكنة المحلية، مما يجعلها موردًا حيويًا في التنمية القروية.
ورغم قيمتها الكبيرة، فإن هذه الأملاك تواجه تحديات متعلقة بتدبيرها واستغلالها، ما دفع المشرع إلى تنظيمها بموجب القانون رقم 62.17 لضمان حمايتها وتحسين طرق تسييرها واستثمارها بشكل مستدام.
6- أراضي الجيش
وهي تتكون في الغالب من أراضي موات يملك حق الانتفاع بما واستغلالها قبائل أو عشائر سبق للدولة أن منحتها لهم ليستغلوها للفلاحة والرعي بعد استصلاحها في نظير خدماتهم العسكرية. وبعد انقطاع خدماتهم هذه أصبحوا يستغلونها بمقابل مالي، ومع مرور الزمن لم تعد الجماعة تدفع أي شيء وأصبحت تملك حق الانتفاع والاستغلال، في حين استبقت الدولة لنفسها ملكية الرقبة.
ومعلوم أن هذه الأراضي تخضع للأعراف والتقاليد التي تطبقها الجماعة على نفسها، وتتميز كذلك بعدم قابليتها الحجز والتفويت أو التقادم.
7- أراضي الأحباس -الأوقاف
تعرف الأحباس (أو) الأوقاف) عموما بأنها الأموال التي تخلى مالكها بصفة نهائية عن منفعتها لفائدة إحدى جهات البر أو الأشخاص طبيعيين) لتنتفع بها طيلة مدة وجودها، أو لمدة معينة مع اعتبار أن الرقبة ما تزال مملوكة لصاحبها.
وتسري عليها أحكام مدونة الأوقاف الصادرة بظهير 23 فبراير 2010.
8- الملكية المشتركة
- تعتمد على وجود أجزاء مفرزة يملكها كل شخص بشكل خاص، وأجزاء مشتركة يستفيد منها جميع الملاك.
- منظمة بمقتضى القانون رقم 18.00 الذي يحدد حقوق والتزامات الملاك المشتركين.
- يتطلب التسيير تعيين وكيل اتحاد الملاك لتدبير المصاريف وصيانة المرافق المشتركة.
- من الضروري احترام النظام الداخلي لتفادي النزاعات بين الجيران.
- يمكن للملاك عقد جمع عام سنوي لاتخاذ القرارات المتعلقة بالإصلاحات أو النفقات.
9- الأملاك الغابوية
وهي منظمة بظهير 10 أكتوبر 1917، بحيث تعد من أهم الثروات الطبيعية في المغرب، إذ تلعب دورًا بيئيًا واقتصاديًا محوريًا من خلال الحفاظ على التوازن البيئي وتوفير المواد الخشبية والمراعي، كما تخضع هذه الأملاك لتدبير صارم من قبل إدارة المياه والغابات.
تتميز الأملاك الغابوية بكونها ملكًا للدولة، ولا يجوز تملكها من قبل الأفراد إلا وفق شروط محددة يقرها القانون، كما يتم تصنيفها ضمن الملك العام الطبيعي الذي يُمنع التصرف فيه أو بيعه أو تفويته.
ومعلوم أن كل أصناف الملكية العقارية السالف ذكرها إما أن تكون محفظة خاضعة النظام التحفيظ العقاري، أو غير محفظة يحكمها ق ل ع وقواعد الفقه الإسلامي.
تنوع الهياكل العقارية المبنية
علاوة على تعدد أصناف الملكية العقارية يشهد المغرب كغيره من دول العالم تنوعا من حيث الهياكل العقارية المبنية، نتيجة لعدة أسباب أهمها:
- استفحال أزمة السكن الحادة خصوصا في السنوات الأخيرة حيث تطور البناء العمومي.
- استعمال أجزاء الهواء العمودي بصورة مكتفة لبناء عمارات ذات طوابق وشقق متعددة عائدة لملاك مختلفين.
- كما وصل التطور إلى حد تشييد مجموعات عقارية كبيرة الحجم والمكونات.
ولذلك يلاحظ في الوقت الحاضر تنوعا في الهياكل العقارية المبنية، فإلى جانب العقارات المبنية العائدة ملكيتها لشخص واحد توجد عقارات مجزئة الملكية بين عدة أشخاص مثلا كملكية الشقق في نفس العمارة.
![]() |
| أنواع الأنظمة العقارية في المغرب. |
فبخصوص هذا النوع الأخير من تملك الأموال العقارية يلاحظ أنه أدخل تغييرات جدرية على التقنيات التقليدية للقانون العقاري ككل، لأنه يقوم على الاستغلال المكثف للمكعبات الهوائية الممتدة في العلو، مما طرح التساؤل حول موضوع الملكية العقارية هل هو مادي ملموس أو مجرد غير محسوس.
كما أنه يمكن المالك من تملك حقين:
- أحدهما خاص واستئثاري يقع على الشقة - أو المحل - التي يلمكها بصورة فردية.
- والثاني شائع شيوعا حبريا يقع على الأجزاء القابلة للاستعمال المشترك بين كل الملاك المشاركين.
إضافة إلى هذا تنشأ في إطار العقار الخاضع لنظام ملكية الشقق جهاز الاتحاد - يهدف إلى إدارة وضمان حسن الانتفاع بالعقار المشترك جماعي - الملكية، وتتخذ قراراته في هذا الشأن بالأغلبية الموصوفة.
كما أن عددا من الأحكام التي أتى بها القانون رقم 18.00 الخاص بالملكية المشتركة جاءت مكملة، حيث يجوز للأطراف مخالفتها في التنظيم الاتفاقي للملكية المشتركة الذي يجري إشهاره في المحافظة العقارية.
وبالتالي فكل هذه المستجدات المتعلقة بتملك الشقق شكلت ثورة كبيرة على التقنيات التقليدية للقانون العقاري الذي لا يمكن تناوله في الوقت الحاضر دون الإحاطة بها من كافة جوانبها.

