📁 آخر الأخبار

مخاصمة القاضي في القانون المغربي - الشروط والإجراءات والآثار

متى وكيف تتم مخاصمة القاضي في التشريع المغربي؟

مما لا شك فيه أن مهنة القضاء من أهم المهن وأجلها عبر التاريخ لما لها من دور في إرساء دعائم دولة العدل والمساواة، وإنصاف المظلوم وردع الظالم وقطع دابر العدالة الانتقامية.

وفي هذا السياق وإيمانا من المشرع بضرورة توفير الجو الملائم للقاضي لمساعدته على البت في النزاع باستقامة وحياد، أقر مجموعة من الآليات الكفيلة بتحقيق ذلك من قبيل تنظيم وضبط الحالات التي يمنع فيها على القاضي النظر في النزاع إما بتنحيه تلقائيا أو بناء على طلب ممن له مصلحة.

مخاصمة القاضي في القانون المغربي - الشروط والإجراءات والآثار
مخاصمة القاضي في القانون المغربي - الشروط والإجراءات والآثار.

وفي هذا الإطار تتوخى المخاصمة كآلية قانونية تحقيق نوع من الحماية المتوازنة الأطراف العملية القضائية، حماية القاضي عبر حصر الحالات الموجبة لمخاصمته حفاظا على كرامته واستقلاله، وحماية أطراف الخصومة القضائية من تعسف القاضي عبر منحهم صلاحية مساءلة القاضي الذي يخل بواجب الحياد الواقع على عاتقه.

وبالرغم من أن المشرع المغربي عمد إلى تحديد الحالات التي يمكن فيها مخاصمة القضاة إلا أن الموضوع مازال يثير مجموعة من الإشكالات والصعوبات على مستوى التطبيق السليم لهذه المقتضيات.

إن أهمية هذا الموضوع تقتضي منا وضع تعريف للمخاصمة وتحديد طبيعتها وحالاتها مع استعراض أهم إجراءاتها القانونية وآثار الحكم الصادر فيها.

أولا - مفهوم مخاصمة القضاة

تعدّ مسطرة مخاصمة القضاة من الإجراءات الخاصة والدقيقة، التي استلهمها المشرع المغربي من النموذج الفرنسي، وهو ما أسفر عن غياب تعريف موحّد لها، نتيجة تضارب المواقف الفقهية والاجتهادات القضائية بشأنها، فضلاً عن تباين الآراء حول طبيعتها القانونية.

1- تعريف مخاصمة القضاة

 بمقتضى الفصول من 391 الى 401 من قانون المسطرة المدنية نظم المشرع المغربي مسطرة مخاصمة القضاة، وهذه الدعوى تعد وسيلة استثنائية ترمي إلى تصحيح الأخطاء القضائية التي تكون ناتجة   عن ارتكاب القاضي لعمل غير مشروع أثناء نظره في النزاع المعروض عليه.

كما أن المشرع لم يقدم تعريفا صريحا للمخاصمة، وهو بطبيعة الحال  توجه محمود، بحيث ترك المجال للاجتهاد الفقهي، مما أدى إلى تعدد التعاريف الفقهية بها الشأن.

ومن ثم فقد  اعتبر بعض الفقه مسطرة المخاصمة إجراءً استثنائي يراد به مساءلة القاضي بصفة شخصية، وتحميله تبعات تعويض الضرر المترتب عن ارتكابه فعلًا تدليسيًا خلال ممارسته لمهامه القضائية.

بينما يرى اتجاه فقهي آخر أن المخاصمة تُعدّ مجموعة من الإجراءات التي تخول للخصم، وفق الشروط المحددة قانونا، مطالبة القاضي بالتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب فعل منسوب إليه أثناء مزاولة مهامه أو بمناسبتها (...).

يتبين مما سبق أن مسطرة مخاصمة القضاة لا ترمي إلى إلغاء الحكم الصادر عن القاضي المخاصم، وإنما تهدف إلى مساءلته شخصيًا عن الأضرار التي تسبب فيها بسبب ارتكابه لخطأ جسيم أو فعل تدليسي أثناء ممارسته لمهامه القضائية.

وإنما ترمي أساسا إلى تعويض الضرر الذي كان سببه الغش أو التدليس أو الغدر أو إنكار للعدالة الذي تسبب فيه القاضي، أو إلى تخلي القاضي عن النظر في الدعوى التي تُعد هذه الحالات من بين موضوعات دعوى المخاصمة، وتشمل أيضًا كل دعوى يكون القاضي المدعى عليه، أو أحد أصوله أو فروعه أو زوجه، طرفًا فيها.

ويُؤدي الإخلال بهذا المقتضى إلى بطلان الحكم الصادر في كافة الحالات المشار إليه. وذلك كله وفقًا لمقتضيات الفصل 399 من قانون المسطرة المدنية.

2- الطبيعة القانونية لمخاصمة القضاة

لقد أثيرت عدة آراء حول الطبيعة القانونية لمسطرة مخاصمة القضاة، وذلك نتيجة غياب تعريف موحد لهذا النظام.

  • حيث ذهب بعض الفقه إلى اعتبارها طريقًا من طرق الطعن غير العادية يهدف إلى إصلاح الحكم، متأثرين في ذلك بالمفهوم التقليدي للطعن القضائي، والذي يُنظر إليه كوسيلة لمهاجمة القاضي الذي أصدر الحكم محل الطعن، والذي يُنظر إليه كوسيلة لمهاجمة القاضي الذي أصدر الحكم المطعون فيه.

وهو رأي مجانب للصواب لأن طرق الطعن غير العادية محددة حصرا والمخاصمة ليست منها هذا من جهة، ومن جهة ثانية طلب المخاصمة يقبل ولو كان الحكم الأصلي قابلا للطعن بالطرق العادية.

كما أن فكرة الطعن في مفهومها الحديث تقوم على مهاجمة  العمل الصادر عن القاضي وليس مهاجمة القاضي نفسه، وترفع ضد الخصم الآخر في الدعوى، في حين أن القاضي هو المدعى عليه في دعوى المخاصمة. ومن جهة ثالثة المخاصمة يمكن مباشرتها قبل صدور أي حكم كما هو الحال بالنسبة لإنكار العدالة.

  • في حين اعتبر البعض أن دعوى المخاصمة لا تخرج عن كونها دعوى بطلان، بالنظر إلى الهدف المتوخى منها والذي هو إبطال الحكم الأول، والواقع أن هذه النظرية أنصفت المتقاضي أكثر من سابقتها. فحينما يبطل الحكم تزول آثاره.

ولا شك أن رافع الدعوى لا يبتغي غير إبطال الحكم هدفا لدعواه " غير أن هذا القول لا يمكن أن يصدق على جميع التشريعات، لأن هناك من التشريعات ما لم تنص على إبطال الحكم الأول، كالتشريع المغربي الذي اكتفي بالتنصيص تخلي القاضي عن الدعوى التي هي موضوع المخاصمة.

ولم ينص على إبطال الحكم موضوع المخاصمة، كما أن دعوى المحاكمة يمكن أن تباشر حتى في حالة عدم صدور أي حكم، كما هر وفي حالة إنكار العدالة وهو ما ينفي وحده طابع البطلان على هذه الدعوى.

3- المخاصمة وفكرة الدعوى التأديبية

اعتبر جانب آخر من الفقه أن دعوى المخاصمة لا تخرج عن كونها دعوى تأديبية بالنظر لموضوعها والغاية من مباشرتها ، ولعل هذا التوجه قد تأثر بالمنشأ التاريخي للمخاصمة، حيث كان يدافع القاضي عن موقفه وعلى الحكم الذي أصدره أمام المحكمة.

وإذا اعتبرنا دعوى المخاصمة دعوى تأديبية، فإن الاختصاص في نظرها يجب أن يوكل إلى الهيئات التأديبية الخاصة كما هو مقررا تشريعيا غير أن المشرع أسند النظر فيها للقضاء العادي، علاوة على أن هناك اختلاف بين المخاصمة وبين الدعوى التأديبية بخصوص الجهة التي لها الحق في تحريكها والجزاء المترتب عنها.

4- المخاصمة ودعوى المسؤولية

يرى اتجاه آخر من الفقه أن دعوى المخاصمة لا تعدو أن تكون دعوى مسؤولية مدنية ترمي إلى تعويض ضرر أصاب المتقاضي من جراء حكم قضائي، ويقع على عاتق المدعي إثبات خطأ المدعى عليه، وفق ما تنص عليه القواعد العامة للمسؤولية المدنية.

ومهما يكن من اختلاف حول التكييف القانوني السليم لدعوى المخاصمة، فإن الاتفاق الفقهي شبه منعقد حول اعتبارها دعوى مسؤولية تستهدف ضمان الدولة أداء التعويضات التي يحكم بها في دعوى المخاصمة، تجنبا لإعسار القاضي مما يعني أن دعوى المخاصمة تندرج ضمن الآليات التي تمكن من علاج الخطأ القضائي.

5-  حالات المخاصمة للقضاة

نظم المشرع المغربي حالات مخاصمة القضاة في الفصل 391 من قانون المسطرة المدني الذي نص على أنه يمكن مخاصمة القضاة في الأحوال الآتية:

  1. إذا نُسب إلى قاضي الحكم ارتكاب تدليس أو غش أو غدر خلال مرحلة إعداد القضية أو عند إصدار الحكم، أو نُسب مثل هذا الفعل إلى أحد قضاة النيابة العامة أثناء أدائه لمهامه.
  2. إذا قضى نص تشريعي صراحة بجوازها.
  3. حين ينص القانون على مسؤولية القضاة، يكون لهم الحق في التعويض عن الأضرار الناجمة عن هذه المسؤولية.
  4. عند وجود إنكار العدالة.

يتبين من مقتضيات الفصل المشار إليه أن المشرع قد حدد على سبيل الحصر الحالات التي يجوز فيها سلوك مسطرة مخاصمة القضاة، مما يمنع التوسع فيها أو القياس عليها، تحت طائلة عدم قبول الطلب شكلاً.

وسنقوم فيما يلي بتفصيل الحالات التي أجاز فيها المشرع تقديم دعوى المخاصمة:

الحالة الأولى: إذا تم الادعاء بأن قاضي الحكم ارتكب تدليسًا أو غشًا أو غدرًا أثناء إعداد القضية أو أثناء البت فيها، أو إذا صدر هذا الفعل من قاضٍ ينتمي إلى النيابة العامة أثناء تأديته لمهامه:

ويقصد بالغش والتدليس، ذلك الانحراف المتعمد من القاضي عن مقتضيات القانون، والمقرون بسوء نية، تحقيقًا لاعتبارات شخصية تتنافى مع مبدأ النزاهة القضائية، كالرغبة في إفادة أحد الخصوم، أو الإضرار به، أو تحقيق مصلحة ذاتية.

ويُعد كل انحراف عن الحقيقة الثابتة في أوراق الملف أو عن الحجج والمستندات التي قدمها الأطراف وتمت مناقشتها أمام المحكمة، بمثابة غش يُوجب مساءلة القاضي عن الأضرار الناتجة عنه.

يجدر بالذكر أن المشرع المغربي نص في الفصل 81 من قانون الالتزامات والعقود على إمكانية مساءلة القاضي مدنيًا عن الإخلال بواجباته المنصوص عليها في منصبه، وذلك وفقًا للحالات التي تسمح بمخاصمته، في إطار القواعد القانونية المنظمة لمسؤولية القضاة.

أما الأخطاء التي يرتكبها القاضي عند تكييف الدعوى، أو عند تطبيق القاعدة القانونية المناسبة، أو تلك المتعلقة بالإجراءات، كالبَتِّ في القضية قبل التاريخ المحدد لها، أو إصدار الحكم دون التأكد من توجيه الاستدعاء للأطراف المعنية.

فإنها لا تُعد من قبيل الأفعال التدليس التي تبرر مخاصمة القاضي، بل تُواجه بطرق الطعن التي يحددها القانون، أو دون التأكد من توصلهم كلهم أو بعضهم أو الخطأ في تقييم وثيقة أو تحريفه.

فإنها تُعد من قبيل الأخطاء القانونية التي يمكن تداركها من خلال سلوك طرق الطعن العادية أو غير العادية، طالما لم تكن ناتجة عن نية مسبقة لدى القاضي لارتكاب الغدر أو التدليس أو الغش لأي سبب من الأسباب.

أما القضايا التي يرتكب فيها القضاة مخالفات للقانون دون أن يكون ذلك ناجمًا عن الغدر أو الغش أو التدليس، فإنها تظل قابلة للطعن بجميع الوسائل القانونية التي أتاحها المشرع للمتقاضين.

إلا أن المشرع أراد بمسطرة مخاصمة القضاة، فتح مسطرة قضائية يمكن سلوكها الحصول المتضرر على تعويض من القاضي المنحرف وإن كانت الدولة تحل محله في أداء التعويض المحكوم به على القاضي لفائدة المتضرر مع إمكان رجوعها عنه.

الحالة الثانية: إذا قضى نص تشريعي صراحة جوازها

تندرج ضمن هذه الحالة جميع الحالات التي يقضي فيها نص تشريعي بجواز مخاصمة القضاة، ومثال ذلك الفصل 240 من القانون الجنائي المغربي.

الحالة الثالثة : إذا قضى نص تشريعي بمسؤولية القضاة يستحق عنها تعويض

ما يلاحظ على هذه الحالة أنها جاءت بصيغة العمومية والشمول، وتقتصر على وجود نص تشريعي يقضي بمسؤولية القضاة، ويحدد شروط الاستفادة من التعويض.

الحالة الرابعة : في حالة إنكار العدالة

جاءت المادة 392 من قانون المسطرة المدنية موضحة لهذه الحالة الأخيرة على النحو الآتي: « يعتبر القاضي منكرا للعدالة إذا رفض البت في المقالات أو أهمل إصدار الأحكام في القضايا الجاهزة بعد حلول دور تعيينها في الجلسة.

يُعتبر القاضي منكراً للعدالة إذا امتنع عن البت في الدعوى المرفوعة أمامه أو في قضية جاهزة للحكم. ويُثبت إنكار العدالة بواسطة إخطارين يتم تبليغهما إلى القاضي شخصياً، على أن يكون بين الإخطارين أجل لا يقل عن 15 يوماً.

ويتولى توجيه هذين الإخطارين طبقا للشروط الخاصة بإثبات الحالة والإنذارات كل من رئيس كتابة الضبط التي تعلو مباشرة المحكمة التي ينتمي إليها القاضي أو رئيس كتابة الضبط بمحكمة النقض إذا تعلق الأمر بقضاة من محكمة الاستئناف أو من محكمة النقض.

وهذه الإجراءات لا تتم إلا بناء على طلب مكتوب مرفوع مباشرة إلى رئيس كتابة الضبط المختص من طرف الطالب، ويضيف الفصل 393 من قانون المسطرة المدنية.

على أنه يتعين على رئيس كتابة الضبط المحال عليه الطلب بأن يباشر على الفور المساطر القانونية الواجبة وإلا كان مصيره العزل من أسلاك الوظيفة العمومية كما أشار الفصل 394 من قانون المسطرة المدنية إلى إمكانية مخاصمة رجال القضاء بعد بقاء الإخطارين بدون جدوى.

ثانيا - إجراءات دعوى المخاصمة والآثار المترتبة عن القرار الصادر بشأنها

"نظراً لما تكتسيه دعوى المخاصمة من أهمية بالغة، فقد حرص المشرع على تنظيمها ضمن إطار قانوني خاص، يتضمن مسطرة دقيقة وإجراءات محددة، بهدف إرساء نوع من التوازن بين أطرافها.

متى وكيف تتم مخاصمة القاضي في التشريع المغربي؟
مخاصمة القضاة.

ويشمل ذلك تحديد الجهة القضائية المختصة بالبت فيها، والإجراءات الواجب اتباعها، وصولاً إلى الآثار القانونية التي تترتب عن الحكم النهائي الصادر بشأنها.

  • فما هي إذن أبرز مراحل هذه المسطرة؟
  • وما هي النتائج القانونية المترتبة عن الحكم الصادر في إطارها؟

وكل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة  عنها في التالي.

1- إجراءات دعوى المخاصمة

نظم قانون المسطرة المدنية المغربي بدقة إجراءات دعوى المخاصمة، من حيث شكلياتها وشروطها، وأسند اختصاص البت في الطلبات المتعلقة بها إلى محكمة النقض باعتبارها الجهة القضائية المختصة للنظر في هذه الدعوى الاستثنائية.

يجب أن تقدم دعوى المخاصمة إلى محكمة النقض بصرف النظر عن المحكمة التي يعمل فيها القاضي المخاصم، وذلك بمقتضى مقال موقع من الطرف أو وكيل يعينه بوكالة رسمية خاصة ترفق بالمقال مع المستندات عند الاقتضاء وذلك تحت طائلة البطلان مع ضرورة مراعاة مقتضيات الفصلين 514 و 515 من قانون المسطرة المدنية.

يتبين من خلال مقتضيات الفصول من 391 إلى 401 من قانون المسطرة المدنية، أن المشرع المغربي وسّع من نطاق القضاة الذين يمكن إقامة دعوى المخاصمة ضدهم، بخلاف ما هو منصوص عليه في التجريح، إذ يشمل مفهوم القاضي في هذا الإطار كافة القضاة، سواء تعلق الأمر بقضاة الحكم، أو قضاة التحقيق، أو قضاة النيابة العامة، أو غيرهم من القضاة المزاولين لمهامهم القضائية.

وحفاظا على حرمة القاضي وكرامته وقدسية القضاء فقد ألزم طالب المخاصمة بعدم استعماله لأي أقوال أو إشارات تمس شرف القاضي المخاصم أو إهانته سواء في مقال المخاصمة أو أثناء سريانها تحت طائلة تعرضه لعقوبة مالية لا يجب أن تتعدى مبلغ ألف درهم دون الإخلال بتطبيق مقتضيات القانون الجنائي في حقه أو اللجوء إلى إعمال العقوبات التأديبية في حق المحامي الذي ينوب عنه إذا كان هو محرر طلب المخاصمة.

وبمجرد توصل الرئيس الأول لمحكمة النقض بطلب المخاصمة، يقوم بإحالته على إحدى غرف محكمة النقض من أجل دراسته والتحقق من مدى استيفائه للشروط الشكلية والموضوعية المنصوص عليها قانونًا، مع فحص الوثائق المرفقة للتأكد من توفر الطلب على أسس واقعية وقانونية، ليُبنى على ذلك قرار بقبول الطلب أو رفضه.

 وفي حالة رفض هذا الطلب يتم الحكم على الطالب بغرامة لا تقل عن ألف درهم ولا تتجاوز ثلاثة آلاف درهم، مع الاحتفاظ بحق القاضي المخاصم في مطالبته بتعويض مدني جراء الأضرار التي لحقته بسبب مخاصمته.

وفي حال قبولها للطلب فانه يتم تبليغه للقاضي المعني لكي يقدم كافة أوجه دفاعه داخل أجل ثمانية أيام الموالية لتوصله.

وهنا يكون لزاما عليه التخلي عن البت في الدعوى التي هي موضوع المخاصمة وكذلك عن أي قضية رائجة بالمحكمة التي يعمل بها والتي يكون أحد أطرافها الشخص المخاصم أو أحد أصوله أو فروعه أو زوجه وإلا كان الحكم الذي قد يصدر في جميع هذه الحالات باطلا.

وإذا أصدرت الغرفة التي أحال عليها الرئيس الأول القضية قرارا بقبول المخاصمة فانه يقوم بإحالة القضية على جميع غرف المجلس باستثناء الغرفة التي قررت المتابعة وعين أحد مستشاري إحدى غرف المجلس مقررا في القضية الذي عليه أن يجري المسطرة العادية في القضايا المدنية المحالة على المجلس.

ويطلب من المدعى عليه تقديم جوابه، حتى إذا أصبحت القضية جاهزة أصدر أمره بالتخلي وأحال القضية على الرئيس الأول لتعيين تاريخ الجلسة التي ينظر فيها القضية ويستدعى لها المشتكي والمشتكى به.

وتبت فيها محكمة النقض بجميع غرفها ما عدا الغرفة التي قررت قبول المخاصمة وتصدر قرارها في الموضوع.

وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن محكمة النقض تميز بين الجهة المختصة بالبت في طلب التعويض في إطار المسؤولية عن العمل القضائي المستند للفصل 122 من الدستور، والذي ينعقد للقضاء الإداري في إطار الفصل 8 من القانون 90-41، وبين حالات المخاصمة التي تدخل في صميم اختصاص محكمة النقض طبقا للفصل 395 من قانون المسطرة المدنية.

2- آثار القرار الصادر في دعوى المخاصمة

إن القرار الذي تصدره محكمة النقض في موضوع المخاصمة لا يخرج عن أمرين اثنين، إما قبول طلب المخاصمة وإما رفضه، وهو ما سنتولى توضيحه كما يلي:

أولا) في حالة قبول طلب المخاصمة

وإذا تبين لمحكمة النقض، بعد مداولتها في موضوع الدعوى، ثبوت مسؤولية القاضي المخاصم، فإنها تقضي بمنح تعويض مالي لفائدة المدعي جراء الضرر الذي لحقه بسبب الأفعال المنسوبة إلى القاضي.

ويؤدى هذا التعويض من طرف الدولة، التي تحتفظ بحقها في الرجوع على القاضي المعني لاسترداد المبالغ المؤداة تنفيذًا للحكم.

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن آراء الفقه قد تباينت بخصوص القرار الصادر في دعوى المخاصمة بين من يرى بأن مظاهر علاج الخطأ القضائي بواسطة دعوى المخاصمة يتجسد في كونها دعوى تعويض تهدف إلى الحكم لفائدة المتضرر من الخطأ القضائي بتعويض مالي تؤديه الدولة مع احتفاظها بحق الرجوع على القاضي المخاصم.

فيما ذهب فريق آخر منهم إلى حصر الدور العلاجي للمخاصمة في إبطال الحكم الذي صدر بناء على تدليس أو غش القاضي أو تلقيه لرشوة، بينما ذهب اتجاه فقهي آخر إلى اعتبار دعوى المخاصمة هي دعوى تجمع بين تعويض المتضرر من خطأ القاضي مع إبطال الحكم الذي صدر بناء على ذلك.

ثانيا) في حالة رفض طلب المخاصمة

إذا صدر القرار برفض طلب المخاصمة في حالة عدم ثبوت ما نسب إلى القاضي المخاصم فإن محكمة النقض تقضي علاوة على رفض الطلب وبناء على طلب القاضي موضوع المخاصمة بتعويض لهذا الأخير طبقا لمقتضيات الفصل 401 من قانون المسطرة المدنية.

وتجدر الإشارة إلى أن مطالبة المتضرر للدولة - في الحالة الأولى أعلاه - بتعويضات من خطأ القاضي المخاصم لا تتوقف على وجود القاضي المسؤول في حالة إعسار كما هو الشأن بالنسبة للموظفين تبعا لمقتضيات الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود.

 بل إن الدولة تحل محل القاضي في أداء التعويض بغض النظر عن إعساره من عدمه، وبذلك يكون هذا النص القانوني قد أجاز للمتضرر من خطأ القاضي الشخصي الموجب لمخاصمته مقاضاة الدولة مباشرة لتعويضه.

وأخيرا يمكن القول أنه لما كان حياد القاضي يعد من الضمانات الأساسية لإنتاج العدالة بشكل أكبر، وتفادي الوقوع في الخطأ القضائي، فقد عمد المشرع إلى توفير وسائل تحقيق تلك النتيجة بإقرار مؤسستي التجريح والمخاصمة.

تعليقات