📁 آخر الأخبار

الطبيعة القانونية للحق في الكراء

الطبيعة القانونية للحق في الكراء

✍ الحق في الكراء يعتبر من بين الحقوق المهمة التي يحظى بها المكتري في إطار عقد الكراء التجاري، والتي لها علاقة بالنشاط التجاري الذي يمارسه.

الطبيعة القانونية للحق في الكراء
الطبيعة القانونية للحق في الكراء
فهو ليس من الحقوق المستجدة التي جاء بها القانون رقم 49.16، وإنما هو من بين الحقوق القديمة جدا والتي ظهرت منذ اكتشاف العلاقة الكرائية، ومن خلال سن المشرع المغربي للقانون رقم 49.16 بحيث جاء بعدة مستجدات في هذا الباب.

مفهوم الحق في الكراء

إن مسألة ارتباط الحق في الكراء بعناصر متعددة ومتداخلة تجعل مهمة وضع تعريف دقيق وشامل له مسالة صعبة، وبالتالي فإننا سنحاول بصدد دراستنا هذه الوقوف على تعريف الحق في الكراء، بحيث سنعمد من خلاله الى البحث في النصوص القانونية التي تناولت الحق في الكراء، ثم نعرض لبعض التعاريف الموضوعة له من قبل البعض الفقهاء، وفي الأخير سنحاول بعدها البحث في الطبيعة القانونية للحق في الكراء.

تعريف الحق في الكراء على مستوى النص القانوني

برجوعنا الى نصوص قانون الالتزامات والعقود المغربي يتضح أنه لم يعرف الحق في الكراء، إلا أنه أشار في الفصل 668 منه الى حق المكتري في أن يكري تحت يده ما اكتراه وأن يتنازل عن عقد الكراء لغيره، بالنسبة الى الشيء كله أو بعضه.

كما أن ظهير 31 دجنبر 1914 يعتبر النص القانوني الأول الذي حدد أهمية عنصر الحق في الكراء ضمن عناصر الأصل التجاري بنصه على وجوده ضمن العناصر المعنوية المرهونة، وعلى وجوب تضمين الحق في الكراء عند بيع الأصل التجاري، وأما ظهير 24 ماي 1955، فإنه وبالرغم من كونه يتعلق بكراء المحلات المعدة للتجارة والصناعة والحرف، فإنه بدوره لم يعمد الى إيراد تعريف للحق في الكراء.

كذلك باستقراء لنصوص مدونة التجارة، فنجد أيضا بأنها لم تعرف الحق في الكراء، إلا أنها عمدت الى إبراز أهميته كعنصر أساسي في الأصل التجاري الذي يشتمل على الزبناء وسمعته التجارية بالخصوص، مع إمكانية اشتماله أيضا على كل الأموال الضرورية لاستغلال الأصل التجاري، وبصفة عامة كل حقوق الملكية الصناعية، أو الأدبية أو الفنية الملحقة بالأصل التجاري.

وقد أشارت مواد أخرى تتعلق بالتصرفات التي رد على الأصل التجاري الى الحق في الكراء، منها على سبيل المثال المواد 91 و 108و589 من مدونة التجارة.

تعريف الحق في الكراء على مستوى الفقه

اختلف الفقه في تعريف الحق في الكراء، لتاعس المشرع عن فعل ذلك لأن التعاريف هي عمل فقهي أكثر مما هو تشريعي، وهو أحست ما فعله المشرع لأن مفهوم حق الكراء قد يتغير حسب الأحوال.

وبالتالي فقد عرفه أحد الفقهاء بأنه "ذلك الحق المخول للتاجر المستأجر للعقار الذي يباشر فيه تجارته من جهة، في البقاء في هذا العقار عن طريق تمتيعه بتعويض عادل عن الإخلاء في حالة رفض المؤجر تجديد عقد الكراء عند انتهاء مدته.

ومن جهة أخرى في التنازل عن الكراء للغير في الحالة التي يعمد فيها الى التصرف في الأصل التجاري بالبيع، أو بأحد أوجه التصرف المنصوص عليها ضمن المادة 81 من مدونة التجارة كما هو الشأن مثلا بتقديم الأصل التجاري حصةً في شركة أو بتخصيصه بالقسمة أو بالمزاد.

وقد عرفه البعض الآخر بأنه "حق التاجر المكتري لمحل أو عقار يستغل في النشاط التجاري في تجديد عقد الكراء بعد انتهاء مدة العقد بقوة القانون، تحت طائلة أداء تعويضات الاخلاء أو الافراغ إذا تم رفض هذا التجديد دون سبب قانوني أو مشروع إنصافا للتاجر وضمانا لاستمرار تجارته.

  • فالحق في الكراء يمكن صاحبه من الانتفاع بالأماكن المكتراة طيلة مدة العقد، ومن المطالبة بتجديد العق وبالتعويض عن رفض تجديد العقد، وهو حق معنوي قابل للتصرف فيه بالبيع مع عناصر الأصل التجاري أو بصفة منفردة.
  • والحق في الكراء هو حق الدائنية، الذي يتمتع به التاجر المكتري للعقار الذي يمارس فيه تجارته قبل مكري هذا العقار وقوامه الانتفاع بالأماكن المؤجرة، حيث يعطيه الحق في البقاء في هذا العقار عقب استغلاله له مدة معينة، يمنحه بعد ذلك حماية خاصة، ويثبت له الحق في تجديد الإيجار، وإلا التزم المكري بتعويضه عن الافراغ.

وما يتضح مما سبق أن الفقهاء قد اختلفوا في وضع تعريف موحد وشامل ومانع لهذا الحق.

وبالتالي فيمكن القول بأن الحق فى الكراء هو "ذلك الحق المخول للمكتري التاجر الذي يستغل أصلا تجاريا بإحدى العقارات أو المحلات الخاضعة لنطاق تطبيق القانون رقم49.16، في تجديد العقد عند انتهاء مدته بقوة القانون، ليتملك بعدها الأصل التجاري بعد مرور سنتين من الاستغلال الفعلي والذي يحق له التصرف فيه، وفي الحصول على تعويض مناسب عن الإفراغ وذلك في الحالات التي حددها القانون رقم 49.16".

الطبيعة القانونية للحق في الكراء

بغض النظر على أن العقود التجارية التي نظم المشرع بعض جوانبها في مدونة التجارة، فإننا نسجل أن عقد الكراء التجاري لم يرد له ذكر ضمن تلك العقود وهو الشيء الذي يجعلنا نطرح أكثر من تساؤل حول طبيعته القانونية، بالرغم من أن المشرع من خلال القانون رقم 49.16 تولى تحديد الجهة القضائية المختصة بالبث في المنازعات الناشئة عن عقد الكراء، ويتعلق الأمر بالمحاكم التجارية.

إذن فهل الحق في الكراء يعتبر حقا عينيا أم شخصيا؟

الاتجاه الذي يعتبر الحق في الكراء حقا شخصيا

يعتبر الحق في الكِراء حقا شخصيا، تغليبا لالتزامات المكري نحو التاجر المكتري، حتى وإن جرت العادة على تسمية القيمة الاقتصادية أو التجارية العائدة من استثمار الأصل التجاري "بالملكية التجارية"، إلا أن هذه الملكية المعنوية لا صلة لها بالحق العيني.

الطبيعة القانونية للحق في الكراء
الطبيعة القانونية للحق في الكراء

إلا أن طبيعة الحق في الكراء تتدحرج بين الحق الشخصي والحق العيني، حتى وإن ظن البعض أن وصف الحق في الكراء بالحق الشخصي أو الحق العيني، لا يغير من الواقع والنتائج القانونية شيئا.

فالحق في الكراء ليس هو الحق في الزبناء، وأن المكتري لا يستفيد من من دعوى المنافسة غير المشروعة في علاقته بالمكري، لأن هذه الأخيرة مقررة للحماية من سرقة الزبناء وليس لترتيب العلاقة بين المكري والمكتري، والتي تخضع حمايتها لضوابط خاصة ومختلفة، حيث أثارت هذه المسألة نقاشا فقهيا انقسم بصدد ذلك الى ثلاث اتجاهات.

الاتجاه الفقهي الذي يرى بأن الحق في الكراء حق عيني

يعتمد أصحاب هذا الطرح عدة أسانيد وحجج منها:
  1. أن المالك عندما يكتري فكأنه يبيع الانتفاع للمكتري؛
  2. انتزاح حق الانتفاع لفائدة المكتري يمس بحق الملكية وينقص من سلطتها وقوتها، لأن الحق في الكراء أصبح يخول للمكتري حقوقا لها خصائص وسمات حق الملكية، كحق التتبع وحق الأفضلية.

ووفقا لأحد الباحثين فإنه إذا كان الحق الشخصي يخول للدائن حقا عاما على الذمة المالية للمدين مع باقي الدائنين، فإن الحق العيني يعطي للدائن الحق في التتبع والافضلية.

وبالتالي فقد أصبحت علاقة المكتري المباشرة بالعين تؤثر على امتيازات المالك البائع، الذي سنقل للمالك الجديد حق الملكية مثقلا بالحق في الكراء، هذا بالإضافة الى حق الأفضلية الذي يخول للمكتري مواجهة دائني المالك بكرائه، ونظرا لهذه السلط التي يتمتع بها المكتري على العين المكتراة واتصاله بها يعطيه حقا متميزا عن مجرد العلاقة الدائنية، بالرغم من وجود المالك كوسيط بينه وبين الحق.

فإن هذا الأمر لا يمنع من إسباغ الطابع العيني على الحق في الكراء، لأن بعض الحقوق العينية كحق الانتفاع تقتضي تدخل المالك في كثير من الالتزامات الإيجابية،إلا أن العوامل السياسية والاقتصادية تتجه لمصلحة النظرية القائلة بالحق العيني، وهي النظرية التي يبدو أنها ستغلب في النهاية، فسيعتبر حق المستأجر للعقار عاجلا أم آجلا حقا عينيا عقاريا، يجوز رهنه رهنا رسميا.

والواقع أن رأي الذين يعتبرون حق المستأجر حقا عينيا لا يخلو من قدر من الصواب، إذ الحقيقة أن حق المستأجر يقف في مرحلة وسط بين الحق الشخصي العادي والحق العيني،وقد يسفر المستقبل عن تطور جديد بخصوص هذا الحق، فيجعل منه المشرع حقا عينيا في الإيجارات التي تتجاوز مدتها حدا معينا.

الاتجاه الفقهي الذي يرى بأن الحق في الكراء حق شخصي

يرى هذا الاتجاه أن الحق في الكراء هو حق شخصي، ورواد هذه النظرية يعتمدون في الدفاع عن طرحهم على أن التزامات وحقوق المكري والمكتري تأسست كلها على عقد الكراء، ويرى بعض الفقه بأن الحق في الكراء حق شخصي وإن اشترك مع الحق العيني في بعض الخصائص، ولا يوجد من حيث المبدأ ما يمنع المشرع من أن يتدخل ويعتبر بنص صريح الحق في الكراء حقا عينيا.

وعلاوة على ذلك لا يتعين أن نجعل الحق في الكراء يحل أو يلغي الكراء الطويل الأمد الذي صنفه المشرع ضمن الحقوق العينية التي تعتبر عقارات بحسب المحل الذي تنسحب عليه المادة 121 من مدونة الحقوق العينية.

الاتجاه الفقهي الذي يرى بأن الحق في الكراء حق مختلط

يرى أنصار هذا الاتجاه بأن الحق في الكراء هو ذو طبيعة مختلطة، وذهب أصحاب هذا الطرح الى اعتبار الحق في الكراء حقا عينيا وشخصيا في آن واحد، لأن عقد الكراء ينشئ حقوقا شخصية بين الأطراف وحقوقا عينية تجاه الأغيار، فالحق في الكراء يبقى في منطقة وسطى بين الحقين، إذ لا يمكن إطلاقا إنكار أن في حق المكري بعض الخصائص العينية خاصة حقي التتبع والأفضلية، ولكن دائما توجد التزامات شخصية في عقد الكراء.

ومما لا شك فيه أن عقد الكراء باعتباره من العقود الملزمة لجانبين، يرتب حقوقا والتزامات لصالح المكري وعليه، ولفائدة المكتري وعليه أيضا، ومن جملة الحقوق التي يرتبها هذا العقد لفائدة المكتري صاحب الأصل التجاري الحق في ضمان عدم التعرض والاستحقاق.

وهذه كلها حقوق ناجمة عن التزامات شخصية لا جدال في ذلك، لكن حينما نقول إنه بمضي المدة القانونية يصبح للمكتري حق آخر هو الحق في الكراء، فهذا الحق الأخير وإن كان نتيجة لإبرام اتفاق ونشوء التزامات وحقوق متبادلة، فهو لا يصنف رغما عن هذا التقارب في صنف الحقوق المترتبة مباشرة عن العقد في حد ذاته، بل هو ناشئ مباشرة عن نص القانون.

وفي رأينا يبقى السليم أن الحق في الكراء تتجاذبه أقطاب الحق العيني والحق الشخصي في نفس الوقت، لنساير بذلك نهج أصحاب الطرح الثالث ونؤيدهم فيما ذهبوا اليه، لأن عقد لكراء باعتباره من العقود الملزمة لجانبين فهو ينشئ حقوقا شخصية بين الأطراف وحقوقا عينية تجاه الأغيار.

كما أن حق المكتري قد ينطبع ببعض خصائص الحق العيني وخاصة حقي التتبع والأفضلية ولم يعد من حق المؤجر رفض تجديد العقد في أي وقت، بل يجب عليه الاستناد الى أحد الأسباب الواردة في المواد 9 و13 و16 من القانون رقم 49.16، تحت طائلة تعويض عادل لا يجب أن يقل عن قيمة الأصل التجاري.

تعليقات