📁 آخر الأخبار

ربط المسؤولية بالمحاسبة في ظل دستور 2011

ربط المسؤولية بالمحاسبة حسب دستور 2011

يعد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من بين أهم المبادئ الكبرى التي أطرت مضمون الوثيقة الدستورية المغربية الجديدة لسنة 2011، فهذا المبدأ تكرر لأكثر من مرة، انطلاقا من الارهاصات الأولى للتعديل الدستوري ومرورا بالمشروع وصولا الى الوثيقة الدستورية في صيغتها النهائية المصوت عليها.

ربط المسؤولية بالمحاسبة في ظل دستور 2011
ربط المسؤولية بالمحاسبة في ظل دستور 2011

ليلتقط هذا المبدأ إثر ذلك البرنامج الحكومي الذي تقدمت به أول حكومة شكلت في ظل دستور سنة 2011، بحيث ظهر بشكل جلي أن البرنامج رفع بدوره شعار ربط المسؤولية بالمحاسبة أكثر من مرة.

والتأكيد على هذا المبدأ من مختلف الفعاليات السياسية والدستورية، سواء منها التي صاغت أو ساهمت في صياغة الوثيقة الدستورية، ثم البرنامج الحكومي لم يأت من فراغ، وإنما يوحي بروح جديدة طالما كانت غائبة عن الواقع السياسي والدستوري المغربي، وحسب وجهة نظرنا فإنه يمكن تلخيص جوهر الازمة المؤسساتية المغربية في غياب المحاسبة الفعلية.

إذن فكيف قام دستور 2011 بتأطير هذه المحاسبة؟
وأين تكمن مختلف محددات هذا المبدأ انطلاقا من هذا الدستور؟

أولا: ربط المسؤولية بالمحاسبة حسب فصول دستور 2011

من خلال هذا المحور سيتم التطرق من جهة الى كيفية معالجة المشرع للمحاسبة عموما، على أن نرجئ التفصيل حول المحاسبة الوزارية من جهة ثانية.


لقد وضع المشرع المغربي مجموعة من الهيئات والمؤسسات التي أناط بها مهمة تفعيل ممارسة السلطة، والحفاظ عليها من الانحرافات والتشويهات، فبعض هذه المؤسسات كان موجودا وتمت دسترته، كالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، ومجالس أحرى كان منصوصا عليها دستوريا لكن تمت تفويتها بآليات عمل جديدة مثل: المجلس الأعلى للحسابات.

وهي مجالس كلها تنصب في اتجاه محاربة الفساد، وهو التحدي الذي رفعه دستور 2011 بتخصيص باب للحكامة الجيدة إضافة الى فصول متفرقة على مختلف الأبواب، تعمل على تقوية المحاسبة لضمان ممارسات أفضل للسلطة.

المجلس الأعلى لحسابات

يعتبر هذا المجلس حسب مقتضى الفصل 147 من الدستور، الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة، وقد خوله المشرع لأجل ذلك الصلاحيات التالية:

  1. القيام بتدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة، والشفافية والمحاسبة بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية، فالدستور حينما يتحدث عن الدولة فهو ينتقل من الخاص الى العام، أي من مؤسسات محددة بعينها الى كل ما تشمله الدولة، وبالتالي يصبح المجلس الأعلى للحسابات المؤسسة المسؤولة على ضمان الشفافية، ومحاربة الفساد على مستوى الدولة ككل.
  2. يقوم هذا المجلس بمراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات تجاوبا بذلك مع الفصل 158 من الدستور الذي يلزم كل من يمارس مسؤولية عمومية سواء عن طريق الانتخاب أو التعيين، أن يقدم تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته بصفة مباشرة، أو غير مباشرة بمجرد تسلمه لمهامه وخلال ممارستها وعند انتهائها.
  3. التدقيق في حسابات الأحزاب السياسية، والنفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية.
  4. كما أنه يقدم الاستشارات الضرورية للبرلمان في التشريع والمراقبة، ثم على مستوى الحكومة فهو يقدم مساعدته لها في المييادين التي تدخل في نطاق اختصاصه بمقتضى القانون.
  5. يرفع تقريرا سنويا عن جميع أعماله للمؤسسة الملكية ورؤساء الحكومة ومجلسي البرلمان، ثم ينشر في الجريدة الرسمية، ولعل في هذا المعطى ضمان أكثر لتحقيق الشفافية على مستوى العمل أمام الجهات الرسمية وكذا الرأي العام.
  6. كما أن مراقبة ومحاسبة المجلس الأعلى تمتد الى مختلف الجهات عبر المجالس الجهوية للحسابات التي تتولى بدورها مراقبة حسابات الجهات والجماعات الترابية الأخرى وهيئاتها، وكيفية قيامها بتدبير شؤونها على مستوى هذه الجماعات والمؤسسات العمومية الخاضعة لوصايتها.
وبالتالي تبقى الإشارات القوية على مستوى هذا المجلس مع دستور 2011:
  • التدقيق والتوسيع في صلاحياته بشكل يؤهله لأن يمارس مراقبة فاعلة.
  • إدخاله كنسق فرعي ضمن النسق السياسي العام المتعلق بوظيفة المراقبة الممارسة من طرف البرلمان، والرأي العام والمجتمع المدني، وباقي الهيئات التي أنيطت بها هذه الوظيفة اتساقا مع المعايير المتعارف عليها عالميا.

بحيث أصبح بمقتضى الفصل 148 السالف ذكره المجلس الأعلى للحسابات ملزما بالمثول أمام البرلمان وهو ما يمارس وظيفتيه الرئيسيتين المتمثلة في كل من التشريع والمراقبة.

وقد جاء الفصل 147 من الدستور ليقدم ضمانات دستورية لاستقلال هذا المجلس على غرار الضمانات المقدمة للسلطة القضائية، ومن شأن هذا الأمر أن يخلق هوامش مريحة للعمل والأداء الرقابي.

تخليق الحياة العامة

يقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة كذلك تخليق الحياة العامة، بحيث أن هذا المقتضى يستلزم محاربة كل أشكال ومظاهر إفساد الحياة العامة من رشوة ونهب لثروات البلاد والمال العام، واستغلال للنفوذ والسلطة.

واستنادا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، يدخل في هذه الخانة مجموعة من التجليات أهمها:
  1. الرشوة.
  2. اختلاس الممتلكات وتبديدها.
  3. استغلال النفوذ وإساءة استعمال الوظائف.
  4. الاثراء غير المشروع.
  5. غسل الأموال
  6. إعاقة سير العدالة.

وكل هذه التجليات يعاني منها المواطن والمجتمع والدولة المغربية بشكل مقلق، خصوصا بعد التصنيفات العالمية التي أدرجت المغرب في مواقع حرجة بهذا الشأن.

وأمام كل مظاهر إفساد الحياة العامة، تجلت من حين لآخر محاولات للتخليق سواء من جانب المجتمع المدني وذلك بإنشاء مجموعة من الهيئات والمؤسسات نذكر من ضمنها:

  • الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة.
  • الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب.
كما صدرت مجموعة من القوانين من ضمنها قانون مكافحة غسل الأموال.

وكل تلك المحاولات لم تكن كافية لتخليق الحياة العامة، ليأتي على إثر ذلك دستور سنة 2011، ليعمل على دسترة مجموعة من المقتضيات الهامة والمؤسسات ومنحها الصلاحيات اللازمة لتفعيل هذا المقتضى.

ويدخل في هذا السياق "الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها"، والتي تم تنصيبها بشكل رسمي يوم 02 دجنبر 2008، الارتقاء الى مؤسسة دستورية مع دستور 2011 من خلال الفصلين 36 و167، بحيث أنيطت بهذه الهيئة مهام المبادرة والتنسيق، الاشراف، ضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد والمساهمة في تخليق الحياة العامة.

وهي اختصاصات متفائلة تمنح الهيئة نوعا من السلطة الدستورية لمكافحة الفساد، وبالتالي المحاسبة، فإذا كان النص الدستوري قد تحدث بشكل عام عن الفساد والتخليق، فإن من المنتظر إصدار قوانين تدقق في آليات وكيفيات وحدود العمل، وحتى بعد إصدار القوانين سيبقى الرهان الأكبر هو إمكانيات وحدود التفعيل.

والى هنا يمكن القول أن المؤسسات والفصول الدستورية التي تم إدراجها في هذا المحور المتعلق بربط المحاسبة بالمسؤولية الخاصة بالمؤسسات العمومية وتخليق الحياة العامة..، تشكل نماذج فقط في هذا الباب.

تنضاف اليها هيئات ومجالس أخرى من قبيل مجلس المنافسة، ومؤسسة الوسيط، وأخرى أدرجها الدستور في إطار الحكامة الجيدة، ووضع بينها خيطا ناظما لتشتغل بشكل متكامل في إطار محاولة تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة.

ثانيا: ما هي مختلف أنواع المسؤولية

إن مصطلح المسؤولية في حد ذاته تستتبعه مفاهيم أخرى، حيث تجده مرتبط مثلا بمفهوم القيادة والتسيير، ومن ثم لا يصلح أن يتحمل القيادة والمسؤولية إيا كان، بل لابد من شروط يجب أن تنعقد، وفي هذا الصدد جاء قوله تعالى: {وقفوهم إنهم مسؤولون}.

ربط المسؤولية بالمحاسبة في ظل دستور 2011
ربط المسؤولية بالمحاسبة

وتتفرع المسؤولية من الناحية القانونية الى ثلاث صور أو نطاقات كما يلي:

  • مسؤولية مدنية.
  • مسؤولية جنائية.
  • مسؤولية سياسية.

وعلى مستوى الوزير، قد تنعقد أي من هذه المسؤوليات، لكن إذا اكن من الوارد أن تأخذ صفة الجماعية التضامنية حينما تكون سياسية، فهي بالنسبة للنوعين الآخرين فردية.

وعلى العموم يمكننا أن نعرف المسؤولية التي تقع على الوزير بأنها إخلال بالتزام يفرضه عليه منصبه الوزاري، هذا طبقا للشق السياسي، ناهيك عن مسؤوليته التي يتحملها بعيدا عن أروقة المؤسسات والوزارات، أي الجانب المتعلق به من الناحية الشخصية كسائر أفراد المجتمع.

المسؤولية المدنية

تنعقد المسؤولية المدنية حينما يقترف الوزير مثله مثل باقي المواطنين خطأ يلحق ضررا بالغير سواء كان ماديا أو معنويا، بناء على عقد أو بدونه.

وهنا تجدر الإشارة الى أن المسؤولية العقدية هي الاخلال بالتزام عقدي، وبالتالي فكل إخلال بالعقد من قبل المدين يرتب مسؤوليته عن الضرر الذي سببه للدائن، والمفروض في هذا الشأن أن يستوي الوزير مع الأفراد العاديين.

أما المسؤولية غير العقدية أو ما يسمى بالمسؤولية التقصيرية، فهي تقوم على التزام قانوني مصدره نص القانون يقع على عاتق المسؤول بتعويض المتضرر دون علاقة عقدية بينهما، والتعويض عن الضرر يكون عما لحق المتضرر من خسارة وما فاته من كسب وكذلك الضرر الأدبي.

أما عن الضرر المادي، فهو الضرر الذي يصيب المتضرر في ماله أو في جسمه مثلا كإتلاف عضو من أعضائه، أو إحداث عاهة أو جرح بالنسبة له.

أما الضرر الادبي فهو الذي يصيب الشخص ليس في ماله وإنما في شرفه أو اعتباره نتيجة للقذف والسب.

والوزير يسال كذلك مدنيا إذا ارتكب في عمله الوزاري خطأ شخصيا باعتباره موظفا إداريا ساميا كما هو وارد في قواعد المسؤولية الإدارية، والخطأ في هذه الحالة يمكن فصله عن أعمال الوظيفة سواء لجسامته أو لانحرافه عن غاية المصلحة العامة الى غايات شخصية، فحينئذ يتحمل الوزير من ماله الخاص مسؤولية الضرر الناجم عن هذا الخطأ.

المسؤولية الجنائية

يعتبر الوزير مسؤولا جنائيا كذلك عن الأعمال والتصرفات التي يقترفها أثناء تأدية وظائفه، والتي تكيف على أنها جرائم أو جنايات أو جنح، وفي الغالب يوكل أمر المحاكمة الى جهة خاصة تتولى تحديد وضبط أنواع الجرائم المسببة في انعقاد هذا النوع من المسؤولية، وكذا العقوبات والجزاء المناسب.

فإذا كانت فالمسؤولية عموما هي تحمل التزام أو جزاء قانوني معين نتيجة فعل أو تصرف يرتب عليه القانون آثارا شرعية، فإن المسؤولية الجنائية تقوم على امرين:

  • أهلية الشخص لتحمل الجزاء الجنائي.
  • الأسس أو الشروط التي بمقتضاها ينسب الفعل المكون للجريمة لشخص معين وهو ما يعرف بالإسناد.

والاسناد معناه أي إسناد الجريمة الى شخص ما يقتضي إثبات قيام الصلة المباشرة بين نشاطه أو سلوكه، وبين الفعل المكون للجريمة بركنيها المادي والمعنوي، فهذه الصلة هي صلة السببية المباشرة أي صلة السبب بالنتيجة.

وبالتالي يكون جوهر المسؤولية الجنائية هو أهلية الشخص الذي تنسب الجريمة الى فعله لتحمل مسؤوليتها، أو استحقاق العقوبة الجنائية التي يفرضها القانون.

المسؤولية السياسية

هذا النوع من المسؤولية ينعقد حينما ترتكب الحكومة(أو وزير بمفرده) أخطاء بمناسبة تأديتها لمهامها السياسية، كأن تعجز عن تطبيق البرنامج العام، أو تحيد عن مقتضيات السياسة العامة، وتنحرف عن التوجهات الرئيسية بشكل يضر بالمصلحة العامة.

والمسؤولية هنا تنعقد إما أمام البرلمان الذي قد يسحب ثقته من الحكومة أو أمام رئيس الدولة الذي قد يقبلها، وفي كلتا الحالتين قد يصل الجزاء الى حد العزل والإسقاط.

فالحديث عن المسؤولية السياسية إذن يراد به، ان الحكومة مسؤولة أمام البرلمان اليذ يملك إمكانية إسقاطها، وهي مسؤولية لا تنعقد عن الأعمال التي يخالف بها الوزير نصا قانونيا، وإنما عن الأعمال التي لا يمكن تكييفها بمقتضى نصوص القوانين على أنها أخطاء قانونية أو جرائم.

وتنتج هذه المسؤولية عن تلك الأعمال التي تنشأ عن السياسة العامة، والتي يتبين لها أنها لا تتفق ومصالح الدولة، وذلك بفحصها لمدى مناسبة عمل الوزير وملائمته للمصلحة العامة، كما يراها ويقدرها البرلمان.

ووضع حد لمهام الحكومة يكون بطريقتين:
  1. إما بمبادرة منها، حينما تطلب ثقة البرلمان بها.
  2. أو بمبادرة برلمانية، حينما يتقدم البرلمان بملتمس رقابة ضد الحكومة.
  3. حيث أنه تبقى النتيجة واحدة في كلتا الحالتين أو الطريقتين، وهي إسقاط الحكومة وإنهاء مهامها بإقصاء المسؤول عن السلطة من السلطة.

ويمكن القول إذن أن المسؤولية السياسية للسلطة التنفيذية تقوم على أساس اختلال توازني واضح على مستوى طرفيها، بخضوع الحكومة لمساءلة سياسية كاملة، كلما قامت بكل ما من شانه أن ينحرف عن السياسة العامة، ولا يتفق ومصالح الدولة، والتي قد تسفر عن إقالة الحكومة بصفة جماعية وكهيئة متضامنة، أو قد تكتفي بإحراجها وإضعافها.

وفي مقابل ذلك نجد أن رئيس الدولة يتمتع بحصانة كاملة تتيح له حرية التصرف والعمل كيفما شاء، بدون قيود ولا مضايقات المساءلة والمحاسبة، ما عدا استثناء جريمة الخيانة العظمى والتي تتعمد الدساتير في معظم الأحوال النص عليها بشكل فضفاض يفضي في نهاية المطاف الى تجميدها وإفراغها من فاعليتها.

ثالثا: ربط مسؤولية الحكومة بمحاسبتها وفق دستور 2011

إن مؤسسة الحكومة تخضع في المغرب لمراقبة مزدوجة، وذلك حين يتابعها البرلمان، ويحاسبها عن كل تصرفاتها المتعلقة بالسياسة العامة، بواسطة وسائل متنوعة يضعها في يده الدستور والأنظمة الداخلية، تمنحه سلطة الاطلاع على مجريات العمل الحكومي، والبحث عن مدى استجابته لمتطلبات الصالح العام.

ربط المسؤولية بالمحاسبة حسب دستور 2011
ربط المسؤولية بالمحاسبة حسب دستور 2011

ومن جهة أخرى، وبالإضافة الى خضوعها للمراقبة البرلمانية، فإنه تتحمل الحكومة مسؤوليتها كذلك أمام المؤسسة الملكية أيضا لأسباب عدة أهمها ما يلي:

  • توقيع الحكومة بالعطف على القرارات الملكية يجعلها تؤيدها وتشارك في صناعتها.
  • السلطة التقديرية للملك في تعيين وإعفاء الوزراء، وإن كان قد وقع تغيير هام مع دستور 2011 بخصوص هذه الجزئية، إلا أن تعيين باقي أعضاء الحكومة، بقي خاضعا لنفس المسطرة السابقة والمتجلية في اكتفاء رئيس الحكومة بالاقتراح، أما التعيين فبقي بيد المؤسسة الملكية.

كما أن إعفاء أعضاء الحكومة ما زال من اختصاص الملك وبمبادرة منه، وإن كان لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك تفعيل هذه المسطرة، إلا أن السلطة التقديرية الكاملة ما زالت بيد المؤسسة الملكية في هذا الإطار، وبالتالي تبقى الحكومة رهن محاسبة ومسألة المؤسسة الملكية.

وسنقتصر بهذا الشأن على التطرق لأوجه تفعيل مبدأ ربط المسؤولية الحكومية بالمحاسبة أمام المؤسسة البرلمانية.

وتعد مراقبة البرلمان لحكومة من أهم الوظائف التي أناطها الدستور بالبرلمان، وحتى يتمكن من تأدية هذه الوظيفة التي تبين الى أي حد يتمتع بالمصداقية، يجب أن يحصل على كل المعلومات اللازمة والمهمة عن العمل الحكومي.

لذلك تضع الدساتير عادة في يده مجموعة من الآليات ووسائل العمل، منها ما يفيد المتابعة فقط، ومنها ما يثير المسؤولية السياسية المباشرة للحكومة، والفرق بين الحالتين هو طبيعة الجزاء الذي قد لا يتعدى الاحراج والكشف عن المخالفات في الحالة الأولى وقد يصل الى حد الاسقاط في الحالة الثانية.

الوسائل التي تفيد المتابعة

تتمثل وسائل المتابعة فيما يلي:

1- الأسئلة

يحق بموجبها لكل عضو في البرلمان، أن يوجه ما يشاء من الاستفسارات، وأن يطلب توضيحات عن مشمولات النشاط الحكومي، ويتم ذلك سواء بشكل شفوي أو كتابي، مصحوبا بطلب مناقشة أو بدونها.

وجل الدساتير المغربية بدون استثناء، نصت على الأسئلة البرلمانية كوسيلة من وسائل المراقبة والمحاسبة، مع إحالة كيفيات ممارستها وأنواعها على الأنظمة الداخلية للبرلمان.

وقد ورد الفصل الخاص بالأسئلة في الدساتير بنفس الصيغة منذ دستور 1962 الى غاية دستور 2011، مع بعض الاختلافات التي أخذت بعين الاعتبار مختلف التطورات التي لحقت بالمؤسسة البرلمانية كعدد الغرف وترقيم الفصول ثم إضافات شملت الأسئلة في حد ذاتها.

ويمكن حصر تلك الأسئلة بخصوص دستور 2011 فيما يلي:
  • الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة يتولى الإجابة عنها رئيس الحكومة وتخصص لها جلسة واحدة كل شهر.
  • الأجوبة المتعلقة بالسياسة العامة تقدم أمام المجلس المعني بالأمر خلال مدة معينة، حددها الدستور في 30 يوما الموالية لإحالة السؤال الى رئيس الحكومة.
وبالتالي يبدو أنه وقع تدقيق على مستوى الأسئلة، فبعدما كانت الأنظمة الداخلية سابقا تتطرق ضمن شروط وضع السؤال الى منع تقديم سؤال يتضمن طابعا شخصيا أو محليا، نجد أن الدستور الحالي يتطرق الى جزئية الأسئلة الخاصة بالسياسة العامة.

2- لجان تقصي الحقائق

تعد هذه اللجان من بين الاليات الهامة جدا، والتي يراقب البرلمان عن طريقها الحكومة، والتي تدخل في إطار جمع المعلومات والتقصي عن وقائع وتجاوزات قامت بها الحكومة أو أحد مرافقها، وبذلك نكون أمام شكل آخر من المراقبة يتميز بالجماعية، حيث تتألف لجنة خاصة مؤقتة من النواب كلما استدعى الأمر ذلك لتكشف عن عيوب الحكومة وانزلاقاتها.

فالإشكالية المطروحة على مستوى هذه اللجان هي مآل التقرير الذي تقوم بتحضيره حول الواقعة المتقصى بشأنها؟ أي النتيجة النهائية التي تنقلنا من إطار الملاحظة وجمع المعلومات، الى التفعيل أمام ساحة القضاء بتوقيع الجزاء.

فقد كانت آخر محطة يتوقف عندها عمل اللجنة هو في إيداع التقرير لتنتهي مهمتها، وبالتالي فقد وجهت دوما لهذه اللجان مجموعة من الانتقادات كون أدائها كان جزئيا لم يرق الى مستوى المراقبة والتفعيل.

لكن مع دستور سنة 2011 فقد اصبح بإمكان هذه اللجان إحالة التقرير الذي تعده حول واقعة معينة الى القضاء.

الوسائل المسقطة للحكومة

يمكن للبرلمان أن يربط مسؤولية الحكومة بمحاسبتها عن طريق مسألة الثقة ثم ملتمس الرقابة.

1-مسألة الثقة

تتميز محاسبة الحكومة بمقتضى مسألة الثقة أنها تنعقد بناء على رغبتها، ولكن ليس في جميع الحالات بحيث:

  1. تطلب الحكومة عادة ثقة البرلمان بها في مناسبات عدة، تتوزع على مدة الولاية الحكومية، أي المدة الزمنية التي تقضيها التشكيلة الوزارية في منصب الحكومة، والتي من المفروض أن تفتتح أشغالها بتقديم برنامجها للبرلمان والذي يملك بموجبه سلطة إبقائها أو إسقاطها، بالرغم من أنها أو على الأقل رئيسها منتخبا، حيث يناقش الببرلمان ويصوت على ما قدمته له الحكومة من برنامج عمل، وتعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب.
  2. كما تتقدم الحكومة بطلب ثقة البرلمان أثناء تقديم تصريح حكومي يدلي به رئيس الحكومة في موضوع السياسة العامة.
  3. ربط الحكومة ثقة البرلمان بها بناء على نص قانوني.

بمعنى أن تتقدم الحكومة الى البرلمان بنص قانوني، وتقرن مواصلتها لعملها بتصويت البرلمان على ذللك النص، وبالتالي ينجم عن هذه الوضعية إحدى الحالتين التاليتين:

  • الحالة الأولى: موافقة البرلمان على النص وبذلك يكون قد منح ثقته للحكومة.
  • الحالة الثانية: رفض النص مما يعني سحب الثقة من الحكومة، وبالتالي إسقاطها بتقديم استقالتها بصفة جماعية.

فإذا كانت مسألة الثقة تفيد أن المبادرة تكون حكومية، فهذا الأمر لا يفيد دائما بالاختيار، بل بالإلزام في حالتي البرنامج والتصريح الحكومي، وفي هذا المقام يتضح المعنى الحقيقي لربط المسؤولية بالمحاسبة، كما أن هذه المساءلة لا تتوقف دائما على المبادرة الحكومية، وإلا أصبحت المراقبة البرلمانية تابعة وليست أصلية.

2- ملتمس الرقابة

يتقدم بموجبه أعضاء البرلمان بطلب أو ملتمس لمراقبة الحكومة عندما يتبين انحرافها أو تجاوزها للسياسة العامة، ويعتبر الفقه الدستوري المغربي، أن السلام الهجومي الوحيد الذي يتوفر عليه مجلس النواب للمحاسبة الفعلية للحكومة والإطاحة بها، هو ملتمس الرقابة الذي يعتبر كذلك الوسيلة الوحيدة التي ترغم الحكومة بشكل حقيقي على شرح وتوضيح سياستها العامة.

ومن ضمن الشروط التي وضعها المشرع لإيداع ملتمس الرقابة، هي أن يأخذ الشكل الجماعي، أي أنه يتطلب جمع عدد من التوقيعات لتقديمه، وبغض النظر عن الشروط والكيفيات فغن ملتمس الرقابة يبقى آلية وضعت من أجل تقنين حالة الهدف منها إقرار التوازن والعدالة.

تعليقات