📁 آخر الأخبار

نظام التصدي حسب مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23

نظام التصدي وفق مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23

إن طرق الطعن باعتبارها أداة منحها المشرع للأطراف من أجل التظلم من الحكوم الصادر عن القضاء، تنقسم الى طرق طعن عادية وطرق طعن غير عادية.

نظام التصدي وفق مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23
نظام التصدي وفق مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23

والطعن بالاستئناف باعتباره مندرجا ضمن طرق الطعن العادية وكطريق أساسي يلجأ ليه المحكوم عليه أو المحكوم لصالحع، كلما تبين لأحدهما أن الحكم الابتدائي قد أضر بمصالحه.

كما أن الطعن بالاستئناف يتقل النزاع من محكمة الدرجة الأولى الى محكمة الدرجة الثانية من أجل نشره أمامها لكي تبت فيه بتشكيلة غير تلك التي بتت فيه ابتدائيا.هذه الوسيلة من الطعن يوجد نظام آخر يسمى بالتصدي، والتصدي يقصد به تعرض محكمة الطعن لجوهر النزاع وبتها فيه بصفة انتهائية متى توفرت شروطه القانونية.

ولنظام التصدي مزايا وعيوب كما يلي:

مزايا نظام التصديعيوب نظام التصدي
الاقتصاد في الوقت والإجراءات والنفقات وسرعة حسم النزاعاتيشكل مخالفة لمبدأ التقاضي على درجتين، كما أنه يشكل اعتداء على النطاق الذي يحدده مقال الطعن، ومبدأ لا يضار آحد باستئنافه

كما أن هذا النظام أثار جدلا فقهيا وقضائيا على مستوى تطبيقه في غياب ضوابط معينة تحدد كيفية إعماله، ليس بالمغرب فقط وإنما في جل الدول التي خصته بالتنظيم.

بحيث تعود جذوره التاريخية الى التراث القضائي الفرنسي القديم، وكرسه المشرع الفرنسي في قانون المسطرة المدنية، ومنه انتقل الى باقي التشريعات الأخرى من بينها التشريع المغربي.

التصدي يعتبر من بين المؤسسات القانونية التي يلحقها التعديل التشريعي في كل مرة، بحيث نظمه المشرع المغربي بموجب الفصل 146 من قانون المسطرة المدنية الذي عمد الى إعادة هيكلته وإضافة فصول أخرى اليه ضمن مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية متعلقة بالتصدي أمام محكمة النقض وذلك بمقتضى كل من المواد 1-369 و2-369 و3-379.

وبصدد دراستنا لهذا الموضوع فإنه سيتم التطرق اليه وفق ما يلي:
  1. أولا: التصدي أمام محاكم الموضوع.
  2. ثانيا: التصدي أمام محكمة النقض.

تجدر الإشارة الى أن أهمية هذا الموضوع تتجلى في أن نظام التصدي لم يخصه المشرع بتنظيم قانوي كاف يقدم حلولا موضوعية وإجرائية لحل النزاعات المعروضة على القضاء بهذا الشأن كما أنه كذلك يرتبط بمجموعة من القوانين كما هو الشأن بالنسبة للقانون 53.95 والقانون 41.90، وهو ما يمكن أن يضع القضاء أمام مجموعة من الإشكالات.

التصدي أمام محاكم الموضوع

من بين أهم المستجدات التي جاء بها مشروع قانون المسطرة المدنية في هذا الشأن أولا في إبقاء المشرع على شرط إلغاء أو إبطاء الحكم المطعون فيه، وثانيا في إلغائه لشرط جاهزية الدعوى.

إبقاء مسودة مشروع ق م م على الشرط الاجرائي للتصدي

وفقا لما جاء ضمن مقتضى المادة 146 من هذا المشروع، فإن أول ملاحظة يمكن إبداؤها خلالها

  • أن مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية حذفت شرط جاهزية الدعوى وأبقت على شرط وحيد وهو إلغاء أو إبطال الحكم المطعون فبه.
  • كما أن الصياغة المرتقبة لنص الفصل 146 تبقى أكثر دقة من سابقتها، نظرا لاستعمال مسودة المشروع ل عبارة "محكمة ثاني درجة" بدل مصطلح "محكمة الاستئناف" التي يمكن أن يقهم منها أن التصدي قاصر على محاكم الاستئناف.

وما يمكن أن يفهم من ذلك هو أن التصدي قاصر على محاكم الاستئناف العادية دون نظيرتها محاكم الاستئناف التجارية، ومحاكم الاستئناف الإدارية، وهو ما شملته عبارة "محكمة ثاني درجة" التي جاء بها المشروع.

وانسجاما مع التغييرات التي جاءت بها مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية في هذا الشأن، فغنه باعتقادنا أن المشرع يقصد بعبارة الحكم المطعون فيه المنصوص عليها بالمادة 146 من المسودة كل حكم سواء بت في الشكل أو بت في الموضوع، ذلك وأن إبقاء المشرع على نفس الصياغة يفهم منه شمولية العيارة.

كما أن الحذف المرتقب لشرط جاهزية الدعوى من شانه تجاوز النقاشات المثارة بخصوص خرق بعض المبادئ القانونية من قبيل مبدأ التقاضي على درجتين ومبدأ لا يضار أحد باستئنافه، مادام الطعن في الحكم استنادا الى تقنية التصدي سينشر الدعوى من جديد أمام المحكمة المطعون أمامها، والتي ستنظر فيه كما لو أنها ستبت استنادا الى الأثر الناشر.

إلغاء مسودة مشروع ق م م للشرط الموضوعي للتصدي

تعتبر مسألة إلغاء شرط جاهزية الدعوى من بين أهم ما جاء به مشروع قانون المسطرة المدنية بخصوص نظام التصدي، وما يقصد بهذا الشرط حسب الفقه هو أن يكون الطرفات قد ناقشا الجوهر أو قدما ما لديهما في الموضوع سواء حصل ذلك ابتدائيا أو استئنافيا لا فرق بين الحالتين.

والسؤال المطروح في هذا الشأن هو :
  1. ما هي حدود سلطات محكمة الاستئناف في تجهيز ملف القضية بعد حذف هذا الشرط؟
  2. وهل يحق لها اللجوء الى إجراءات التحقيق لأجل جعل القضية جاهزة للنطق بالحكم؟

ومن خلال اطلاعنا على مجموعة من الأحكام والقرارات الصادرة حول الموضوع، في ظل مقتضيات الفصل 146 من قانون المسطرة المدنية الحالي، نخلص الى انها لا تمنح محكمة الدرجة الثانية الحق في اللجوء الى إجراءات التحقيق.

وإنما تستلزم أن يكون ذلك قد تم في المرحلة الابتدائية، بل منها من تعرض للنقض بسبب إرجاع ملف القضية الى محكمة الدرجة الأولى لاستكمال إجراءات التحقيق، احتراما بذلك للشرط الموضوعي الذي تطلبه المشرع لممارسة التصدي.

وبالتالي فإن المشرع في هذا المشروع رغبة منه في إنهاء الخلاف حول هذه المسألة، فقد عمل على حذف شرط جاهزية الدعوى بمقتضى المادة 146 من المسودة، ليخول لمحكمة الاستئناف سلطات واسعة تمكنها من القيام بإجراءات التحقيق من أجل تجهيز القضية.

ونجدر الإشارة الى أن المشرع المغربي قد أحسن صنعا بإدخاله تعديلات في هذا الجانب، لأن نظام التصدي في جوهره يتعارض مع بعض المبادئ القانونية الراسخة في الفكر القانوني، كما أن تقليص سلطات محكمة الاستئناف لما تبت استنادا الى تقنية التصدي من شأنه الإضرار بحقوق الأطراف.

التصدي أمام محكمة النقض

لقد عاد المشرع لينظم التصدي أمام محكمة النقض ضمن مستجدات مشروع القانون 02.23، كما تناول بمقتضاه مجموعة من الشروط اللازم توفرها لممارسة حق التصدي.

الرجوع الى نظام التصدي أمام محكمة النقض

كما هو معلوم فإن نظام التصدي أمام محكمة النقض لم يكن جديدا ضمن مشروع قانون المسطرة المدنية، بل كان معروفا ظل قانون المسطرة المدنية القديم، حيث آنذاك كان ينظمه الفصل 368 منها والذي تم إلغاؤه بظهير 10/11/1993.

نظام التصدي أمام محكمة النقض
نظام التصدي أمام محكمة النقض

وكان ينص هذا الفصل على ضرورة توفر بعض الشروط لأجل تطبيق مقتضياته كما يلي:

  • الشرط الأول: أن يتم نقض الحكم المعروض على المجلس الأعلى آنذاك.
  • الشرط الثاني: يتمثل في ضرورة التوفر على العناصر الواقعية التي تتبثت لقضاة الموضوع.
وما يمكن ملاحظته ضمن المقتضى التشريعي الملغى هو:
  1. أن ظهير المسطرة المدنية قبل تعديله لم يكن يستلزم لتصدي المجلس الأعلى أن يتم الطعن بالنقض في الحكم أو القرار للمرة الثانية
  2. كذلك أن المشرع كان يشترط ضرورة توفر المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) على العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة الموضوع، وهذا الشرط تبنته مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية.

ما يجب تأكيده أن هذا التنصيص التشريعي لم يلق نجاحا كبيرا، لا من قبل الفقه ولا من ثبل القضاء، وذلك نظرا للطابع الخاص الذي يميز محكمة النقض لكونها محكمة قانون، على خلاف ما إذا تعلق الأمر بمحكمة الدرجة الثانية التي تنشر الدعوى أمامها من جديد بجوانبها الواقعية والقانونية.

التنصيص على شروط جديدة للتصدي أمام محكمة النقض

لقد أوجبت مسودة ق م م لممارسة حق التصدي أمام محكمة النقض توفر مجموعة من الشروط وقد نظمتها بمقتضى المادتين 1-369 و2-369.

1) تحقق شرط الطعن بالنقض للمرة الثانية

لقد أوجب المشرع بمقتضى المادة 1-369 بمشروع قانون المسطرة المدنية لممارسة التصدي أمام محكمة النقض أن يكون الطعن بالنقض قد وقع للمرة الثانية.

ومضمون هذا الشرط هو أن يكون الحكم أو القرار الذي وقع نقضه من قبل محكمة النقض قد سبق وأن عرض على هذه المحكمة وقامت بنقضه، مثلا: كأن تصدر المحكمة الابتدائية حكما باستحقاق المدعي للقطعة الأرضية موضوع النزاع ويتم تأييده استئنافيا، وبعد الطعن فيه بالنقض تنقضه محكمة النقض وترجعه الى المحكمة المصدرة له لتبت فيه من جديد وبهيئة أخرى.

إلا ان محكمة الاستئناف المحال عليها ملف النزاع قضت بما سبق وأن قضت به، ففي هذه الحالة لما يتم الطعن في القرار الاستئنافي من جديد يمكن لمحكمة النقض أن تتصدى للبت في النزاع.

وما ينبغي الإشارة اليه في إطار حديثنا عن هذا الشرط، هو أن مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية جعلت حق التصدي أمام محكمة النقض مجرد إمكانية مخولة لها، بحيث يمكن أن تستعملها أو لا تستعملها، دون أن يضع معايير مضبوطة ومحددة لذلك.

على خلاف ما نص عليه ضمن المادة 146 من هذه المسودة، بحيث بقي وفيا لواجب التصدي أمام محكمة الدرجة الثانية، دون أن يخيرها في استعماله من عدمه.

3) ضرورة توفر محكمة النقض على العناصر الواقعية للنزاع

لممارسة حق التصدي أمام محكمة النقض فلا يكفي أن يطعن في الحكم أو القرار بالنقض للمرة الثانية، وإنما لابد من ضرورة توفرها على العناصر الواقعية للنزاع (وهو ما نص عليه بالمادة 1-369).

فهذين الشرطين متلازمين، ولا يغني أحدهما عن الآخر، وهذا طبيعي على اعتبار أن بت المحكمة في النزاع استنادا الى تقنية التصدي يلزم أن تكون وقائع النزاع متوفرة في ملف القضية.

والعناصر الواقعية المقصودة هي تلك التي سبق أن عرضت على قضاة الموضوع دون زيادة أو نقصان حتى تتمكن محكمة النقض من بسط يدها على القضية والتصدي للحكم فيها ليس بصفتها محكمة النقض وإنما بصفتها محكمة تصدي.

4) تحقق شرط جاهزية الدعوى

فما يمكن ملاحظته بمقتضى المادة 2-369 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية ما يلي:

  1. أن مسودة المشروع أفردت نصا خاصا للتصدي في القرارات الباتة في دعوى الإعلاء.
  2. أن المشرع استعمل مصطلح "القرار" ولم يستعمل "الحكم أو القرار" على غرار المادة 1-369.
  3. اشتراط المشرع لجاهزية الدعوى عند التصريح بنقض قرار صادر في دعوى الإلغاء

وباعتقادنا فإن الصياغة التشريعية لهذه المادة بحاجة الى تعديل قبل أن تستقر عليها الصيغة النهائية، وذلك بإحالة المشرع في المادة 2-369 على مقتضيات المادة 1-369 فيما يخص الشرطين الواردين فيها.

لأنه لا غبار من تحققهما لممارسة التصدي وإلا فإن التصدي سيكون على حساب المقتضيات المنظمة للطعن أمام محكمة النقض.

كما أود الإشارة الى أنه تفاديا للإشكال الذي قد يطرح بخصوص مدى قابلية القرارات الصادرة في التصدي اتعرض الغير الخارج عن الخصومة، عمل المشرع على تنظيم المسألة بموجب المادة 3-379 من مشروع القانون 02.23.

وأخيرا يمكن القول بأننا نشيد بما ام به المشرع بما قام به المشرع من إعادة هيكلة لنظام التصدي الذي ظلت الحاجة ملحة لإدخال تعديلات على مقتضياته، وإضافة مواد جديدة متعلقة بالتصدي أمام محكمة النقض التي نأمل أن تلق ترحيبا على مستوى القضاء، كما نطمح من خلال التعديل التشريعي المرتقب أن يتجاوز الاشكالات التي يطرحها من قبل.

تعليقات