العقوبة كوسيلة لردع الجاني
إن مسالة البحث عن الهدف والغاية من توقيع العقاب ضد الجانحين والمجرمين ظلت محل اهتمام الفكر البشري طوال عقود من الزمن، فالعقوبة كانت في العصور القديمة والوسطى والتشريعات الوضعية "شر يقابله شر".
فكانت آنذاك العقوبة هي الصورة الوحيدة لرد الفعل إزاء الجريمة، هذا الرد الذي اتخذ طابعا فرديا في المرحلة الأولى لتطور القانون الجنائي، ثم رد الفعل الاجتماعي بعد أن تولت السلطات العامة توقيع العقوبة على مرتكب الجريمة.
وبصدد دراستنا العقوبة باعتبارها أداة أو فكرة لردع الجاني فإننا بداية سنقوم بتحديد المبادئ التي تقوم عليها العقوبة ثم بعدها للأهداف المراد تحقيقها من خلال توقيع العقوبة على الجاني.
المبادئ التي تقوم عليها العقوبة
مبدأ شرعية العقوبة
يراد بمبدأ شرعية العقوبة أن تكون العقوبة محددة في نص القانون من حيث نوعها ومقدارها، وهذه الخاصية لا تجد سندها في القانون الجنائي فحسب من خلال فصله الثالث الذي اعتبرعلى انه لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون كما أنه لا يمكن معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون.
وتطبيقا لهذا المبدأ فإنه لا يجوز للقاضي النطق ضد المتهم بعقوبة غير واردة في النص القانوني، ولا أن ينطق بعقوبة تفوق أو تقل عما هو محدد في هذا النص،إلا أن هذه القاعدة لا تقف أمام بعض الضرورات العملية التي فرضت على المشرع ذاته ترك الحرية للقاضي في تفريده للعقاب، تبعا لخطورة الجريمة وشخصية المجرم.
فيمكنه تبعا لذلك النزول عن الحد الأدنى للعقوبة أو جعلها موقوفة التنفيذ وذلك دون أن يتنافى ذلك مع مبدأ شرعية العقوبة.
والعقوبة الجنائية تشكل دائما انتهاكا لحقوق الفرد، وبما أن هذا الانتهاك يكون خطيرا لدرجة أنه لا يتم تنفيذه بواسطة القانون، فإن التدخل من طرف السلطة التنظيمية يطرح تساؤلات عدة حول شرعية العقوبة ووظيفة مبدأ شرعية التجريم، لذلك يجب ما يلي:
- يجب أن يتم تحديد العقوبات بنفس الطريقة من قبل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
- يجب على السلطتين التنفيذية والتشريعية احترام المبادئ القانونية على الرغم من أن النص يشير الى السلطة التشريعية فقط.
وبالتالي فوفقا لمبدأ الشرعية فإنه يجب على السلطة التشريعية تحديد العقوبات المناسبة لكل جريمة، في حالة عدم تعيين عقوبة لجريمة معينة من قبل السلطة التشريعية، فإن القاضي لن يكون قادرا على معاقبتها.
في الواقع يلزم مبدأ الشرعية السلطة التشريعية بوضع إطار لا يمكن للقاضي تجاوزه والذي يمارس فيه سلطاته، كما أنه هذا المبدأ لا يعني بتاتا إبعاد السلطة التنفيذية عن كل ما يتعلق بالعقوبة.
مبدا شخصية العقوبة
ونفس الأمر ورد بمقتضى الفصل 132 من القانون الجنائي، إذ نص على شخصية المسؤولية الجنائية، فهي تنال المذنب بالإضافة الى شخصه، في ماله أو اعتباره أو حقوقه المدنية أو الوطنية.
وذلك باستثناء بعض الغرامات التي تقرر نصوص فليلة التضامن بشأنها بين مقترف الجريمة وبين بعض الأفراد الآخرين.
- العقوبة تنطوي على إهدار لحق من حقوق مرتكب الجريمة أو لمال من أمواله أو لمصلحة من مصالحه القانونية.
- وقد تنطوي هذه العقوبة على مجرد إنقاص لحق أو لمال أو لمصلحة قانونية للجاني.
وسواء تمثلت العقوبة في إهدار لحق أو لمال أو لمصلحة الجاني، أو في مجرد إنقاص لأي من هذه، فيشترط في محلها أن يكون خاصا بالجاني وحده دون غيره، وهو ما يعبر عنه بمبدأ "شخصية العقوبة " هذا المبدأ الذي تعتنقه جل التشريعات الجنائية المعاصرة.
مبدأ قضائية العقوبة
فليس للدولة هذا الحق حتى ولو في حالة اعتراف المتهم بارتكابه للجريمة اعترافا يمكن الجزم معه بإدانته لو عرض أمره على القضاء. بل حتى ولو كانت العقوبة المقررة للجريمة ذات حد واحد ورضي الجاني بتنفيذه المباشر للعقوبة.
وعليها أن تسعى لاستصدار حكم قضائي بات من المرجع المختص الذي يكشف عن وجود هذا الحق ويحدد العقوبة التي يخضع لها مرتكب الجريمة.
وبالتالي فقد أصبح من المبادئ السائدة في التشريعات الجنائية المعاصرة أنه "لا عقوبة بدون حكم"، وغثر ذلك قيل بأن حق الدولة في العقاب هو حق قضائي.
أهداف العقوبات
تحقيق الردع
- الردع العام
- الردع الخاص
1- الردع العام
فإذا ما صادفت أجواء مناسبة، خرجت تلك البواعث في صورة إجرام حقيقي، فتكبح العقوبة جماحها خشية ومخافة من الألم الذي تتضمنه.
وأهمية الردع العام تبرز كمردود للعقوبة بإنه يشكا إنذارا للناس كافة، ببيان الآثار السيئة المترتبة عن ارتكاب الجريمة فينصرفون عنها، وبالتالي فوظيفة العقوبة من هذه الناحية وموضوعها نفسية أفراد المجتمع.
وبصفة خاصة أولائك الذين تتوفر لديهم ميولات ونزعات إجرامية، باعتبار أن الخشية من الألم الذي تحدثه العقوبة يقف حائلا دون ارتكاب جرائم أخرى بالمستقبل.
2- الردع الخاص
هذا النوع من الردع يعرف بأنه تكوين المجرم بعلاج الخطورة الكامنة في شخصه واستئصالها بالوسائل والأساليب المناسبة خلال مدة تأهيله، ومنعه من العودة الى الإجرام مرة أخرى، وإدماجه ليصبح عضوا صالحا في المجتمع.
والردع الخاص يهدف الى استئصال العوامل الدافعة لارتكاب الجريمة، فهو موجه الى الشخص المجرم من خلال تدابير وبرامج وبدائل عقابية.
تحقيق العدالة الاجتماعية
إن مسألة تحقيق العدالة الاجتماعية هي من بين أهم الأغراض التي يستهدفها تحقيق العقاب، وهذه الفكرة تتأسس على ضرورة وجود تناسب بين الجريمة والإيلام الذي تحدثه العقوبة.
- مبدا عدالة العقوبة يقوم على مقدار العقوبة وزمنها، بحيث أنه لابد من ضرورة اللجوء الى تقرير العقوبة، وهذه الضرورة لابد أن تقدر بقدرها دون إفراط أو تفريط.
- أن وظيفة العدالة وظيفة أخلاقية معنوية، وهي إرضاء الشعور الاجتماعي العام الذي تأدى من وقوع الجريمة.
تأهيل الجاني.
التأهيل يهدف الى تحويل الجاني الى شخص نزيه، وهذا الغرض قد فرض نفسه بعد الحرب العالمية الثانية حينما اعتبرته حركة الدفاع الاجتماعي محور منظومتها الفلسفية، حيث تقوم هذه الحركة على إصلاح المحكوم عليه بواسطة معاملة تربوية جوهرها احترام كرامة السجين وحقوقه.
ومن هنا يمكن القول أنطلاقا من مضمون التأهيل أن:
- الجزاء الجنائي أصبح إنسانيا، مما جعل فكرة التأهيل والإصلاح تحتل مكانة بارزة.
- كما أن المعاملة العقابية أصبحت جوهر علم العقاب، إلا أن هذا الانتشار سرعان ما تراجع خلال السبعينات انطلاقا من النتائج الواقعية.
وأخيرا يمكن القول إنه إذا كان الرفض لواقع للردع العام والردع الخاص في صورته السلبية نظرا لاقترانهما بالألم، فإنه من الصعب فهم رفض الواقع لإنسانية العقاب.
