التدابير الوقائية كوسيلة للحد من الجريمة
من أهم عوامل نجاح الأنظمة الجنائية في أداء رسالتها التقويمية وحماية المجتمع من برائيين الجريمة هو إقرارها لمبدأ تفريد الجزاء الجنائي وحسن إعماله بما يتلاءم مع الاتجاهات العقابية الحديثة.
![]() |
| التدابير الوقائية كوسيلة للحد من الإجرام |
فمع تقدم الدراسات واهتمامها بشخص مرتكب الجريمة، بعد أن كان الاهتمام ينصب على الفعل في ذاته، ظهر قصور العقوبة عن أداء وظيفتها في مكافحة الإجرام في مواضع متعددة، تعجز فيها عن الوفاء بهذا الغرض، وأدى ذلك الى التفكير في صورة أخرى لرد الفعل الاجتماعي إزاء الخطورة الاجرامية الكامنة في شخص الجاني، كانت هي التدابير الوقائية.
التدابير الوقائية كمدخل للحد من الاجرام
إن التدابير الوقائية تعد وسيلة ناجعة للحد من سلبيات العقوبات السالبة للحرية ومحاربة الخطورة الاجرامية، وللإحاطة بموضوع هذا المطلب سنتطرق بداية لنطاق تطبيق التدابير الوقائية وبيان خصائصها ثم بعدها نعرض لشروط تطبيق التدابير الوقائية ومختلف أنواعها.
نطاق تطبيق التدابير الوقائية
إن التدبير الوقائي هو إجراء يواجه به المشرع مرتكب جريمة ينطوي على خطورة إجرامية، ومن خلال هذا التعريف يتضح لنا ما يلي:- أن التدبير الوقائي إجراء يفرضه القانون، لهذا فلا تدبير وقائي إلا بنص، كما هو الشأن بالنسبة للعقوبة.
- لا يفرض التدير الوقائي رغم وقوع فعل يكون جريمة، إلا إذا ثبت أن الفاعل ينطوي على خطورة إجرامية.
- يفرض التدبير الوقائي بمناسبة وقوع جريمة، ومعنى ذلك أنه ما لم يكن الفعل الصادر عن مرتكبه يكون جريمة فلا تدبير وقائي يخضع له.
ومهما كان هذا الفعل خطرا اجتماعيا وعلى هذا الشرط نرجع الى أن المشرع يعتبر وقوع الجريمة إمارة كاشفة عن خطورة مرتكبها، فما لم بكن الفعل جريمة فالخطورة منعدمة، فهذا الشرط يحقق للفرد ضمانة قانونية تحول دون تعسف السلطات وإسرافها، وهي ضمانة يتثبت القضاء من توافرها قبل أن يخضع مرتكب الجريمة للتدبير الاحترازي.
أغراض التدابير الوقائية
يتجسد الغرض الأساسي للتدابير الوقائية في مواجهة الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص المجرم، أي تحقيق للردع الخاص وحماية المجتمع من احتمال عودة الجاني لارتكاب جريمة أخرى مستقبلا، وهذه الأغراض يمكن تصنيفها الى نوعين:
1- الغرض المتعلق بالشخص الجاني
كما هو معلوم فإن الغرض الأساسي للتدابير و الوقائية هو غرض وقائي، يهدف الى علاج المجرم وإزالة الخطورة الاجرامية عنه.وذلك بأهله وإعادة إدماجه في المجتمع من جديد على حسب حالته، مثلا: كإيداعه بإحدى المؤسسات المكلفة بعلاج الإدمان على المخدرات أو الكحول بالنسبة للمدمن، أو الإيداع في إحدى المؤسسات الاجتماعية بالنسبة للحدث.
كما أن هذا الهدف أيضا يتحقق بما يقي المجتمع من الجريمة عن طريق اتباع وسائل أخرى لمواجهة الخطورة الغجرامية للجاني عن طريق تجريده من مختلف الوسائل والمعدات التي قد تكون السبب الدافع له والمشجع له على ارتكاب الجريمة، أو تشكل إضرارا بنفسه، ومن أمثلة ذلك كسحب رخصة السياقة ممن تكرر ارتكاله لحوادث المرور وهو تحت تأثير الكحول.
ومن ثم فإن مجرد قطع الصلة بين الجاني وهذه الوسائل المادية من شأنه شل خطورته الإجرامية من دون اتباع أي أسلوب من أساليب التهذيب أو العلاج.
2- الغرض المتعلق بالمجتمعفبما أن العقوبة تشترك مع التدبير في أن كلاهما يهدف الى وقاية المجتمع من الجريمة، لكن العقوبة تهدف وحدها الى تحقيق الردع العام والعدالة، في حين أن التدبير الوقا\ي يرتكز على تحقيق الردع الخاص بالدرجة الأولى.
وذلك لأن التدبير لا يقوم على أساس خطأ الجاني لتقابله بجزاء يتضمن زجرا وإيلاما لما ترتب عن سلوكه الإجرامي من أضرار، وإنما يتخذ من أجل مواجهة الخطورة الإجرامية للشخص والقضاء عليها.
كما أنه لا يهدف الى تحقيق الردع العام وإن تحقق في بعض الحالات إلا أنه غير مقصود، فالتدابير الوقائية لا تقوم على أساس الجريمة الواقعة، وإن كانت شرطا لتوقيعها، وتراجع غرض التدابير الوقائية في تحقيق الردع العام ليس معناه انتفاء الجانب الوقائي وتأثيره في العمل على وقاية المجتمع من انتشار الجريمة.
شروط تطبيق التدابير الوقائية
لكي يتم تطبيق التدابير الوقائية يقتضي ذلك تواف شرطان أساسيان، الأول متعلق بوجوب ارتكاب جريمة، والشرط الثاني يتمثل في توافر الخطورة الإجرامية في الشخص.
شرط الجريمة السابقة
يمكن القول في هذا الشأن بان التدبير الوقائي لا يوقع إلا إذا كانت هناك جريمة، وذلك لأن التدابير ترتبط بالخطورة الإجرامية، والخطورة حالة يمكن اكتشافها قبل ارتكاب الجريمة.
والقانون الجنائي المغربي ينص بهذا الشأن ضمن الفصل الثامن منه على أنه"لا يجوز الحكم بأي تدبير وقائي، إلا في الأحوال وطبقا للشروط المقررة في القانون، ولا يحكم إلا بالتدابير المنصوص عليها في القانون النافذ وقت صدور الحكم". وهذا معناه أن التدابير الوقائية لا تنطبق إلا على من ثبت ارتكابه فعلا منصوصا عليه كجريمة بمقتضى القانون.
الخطورة الاجرامية
لقد تعددت اتجاهات الفقه الجنائي بخصوص تعريف الخطورة الاجرامية، نظرا لتباين وجهات النظر حول تحديد مفهوم الخطورة، إلا أنه يمكن تعريف الخطورة الاجرامية بأنها "حالة في الشخص تنذر باحتمال ارتكاب جريمة أخرى في المستقبل".
وتعتبر الخطورة الاجرامية شرطا لازما لتوقيع التدابير الوقائية، بل إن توافرها هو مناط توقيعها، فالخطورة الإجرامية لا تعتبر مؤشرا في حد ذاتها أو حالة نفسية أو صفة لدى صاحبها يعرف بها وإنما ارتكاب الجرائم هو الذي يكشف عنها.
وبالتالي فالخطورة الإجرامية هي عبارة عن جرائم أو أفعال منصوص عليها بطريقة قانونية، ولا يمكن الاعتماد على مجرد التعريف السوسيولوجي للخطورة الإجرامية.
فبرجوعنا الى فكرة الخطورة الاجرامية في التشريع المغربي، فسنلاحظ أن هذا الأخير لم يعط تعريفا لها، كما أن الفقه لم يوليها ما تستحقه من العناية والاهتمام، مع العلم أنها أحدثت ثورة في الفقه الجنائي بين أنصار ومعارضين.
وهناك جانب من الفقه في البغرب يذهب الى أن القاضي بإمكانه الاعتماد على ثلاث علامات لاستخلاص خطورة الجريمة ويتعلق الأمر بما يلي:- جسامة الاعتداء على الحق.
- أسلوب تنفيذ الفعل الإجرامي.
- العلاقة بين المتهم والمجني عليه.
أنواع التدابير الوقائية
تنقسم التدابير الوقائية الى تدابير وقائية شخصية والى تدابير وقائية عينية.التدابير الوقائية الشخصية
- الإقصاء.
- المنع من الإقامة.
- الاجبار على الإقامة.
- الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية.
- الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج.
- الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية.
- عدم الاهلية لمزاولة الوظائف والخدمات.
- المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن.
- سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء.
التدابير الوقائية العينية
الأصل من التدابير الوقائية أنها تدابير شخصية، لأنها تستهدف مواجهة خطورة كامنة في شخص المجرم لدرئها عن المجتمع بمنعه من اقتراف جريمة جديدة، ومع ذلك وإن كانت تتعلق في فاعليتها بشخص المجرم وتنصب على مواجهة خطورته الإجرامية.
إلا أن ذلك لم يمنع المشرع من إحداث نوع آخر من التدابير تتعلق بأشياء قد تساعد المجرم على تنفيذ جريمته أو تسهل له ارتكابها، وهذه التدابير يطلق عليها تسمية التدابير العينية.
وقد تص المشرع المغربي ضمن الفصل 62 من القانون الجنائي، وهي تدابير لا تتعدى تدبيرين اثنين ويتعلق الأمر بكل من:- المصادرة.
- إغلاق المحل أو المؤسسة التي استعملت في ارتكاب.
ومن خلال ما سبق يتضح لنا أن المشرع كان موفقا حينما تبنى نظام تدابير الوقاية كصورة ثانية للجزاء الجنائي، كما أن تدابير الوقاية عامة تعتبر وسيبة ناجعة لمواجهة الإجرام، حيث أصبحت ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها بجانب العقوبة.
