نطاق تطبيق القانون من حيث المكان
القاعدة المعمول بها، هو أن قوانين كل دولة تطبق فوق سائر أجزاء إقليمها على جميع الأشخاص المخاطبين بتلك القوانين، ويفسر هذا الأمر، بكون أن تطبيق قانون دولة معينة يشكل مظهرا من مظاهر سيادتها، بل يشكل أهم تلك المظاهر.
![]() |
| نطاق تطبيق القانون من حيث المكان |
باعتبار أن القانون هو الوسيلة التي بواسطتها تستطيع الدولة فرض شروط النظام العام، وبالقانون تستطيع الدولة تنظيم علاقتها بمواطنيها، وبباقي الدول والمنظمات الدولية.
ولكن هناك إشكال يطرح بشأن الأشخاص الأجانب الذين يتواجدون فوق التراب المغربي، هل يطبق عليهم القانون المغربي، أم يطبق عليهم قانون الدولة التي يحملون جنسيتها؟فبما أننا بصدد دراسة نطاق تطبيق القانون من حيث المكان فإنه سنتعرف بداية على إشكالية تنازع القوانين بعدها نتطرق لكل من مبدأ إقليمية القوانين ومبدأ شخصية القوانين.
إشكالية تنازع القوانين
هنا وتجدر الإشارة الى أن إشكالية تنازع القوانين على مستوى القانون الدولي الخاص، أصبحت تزيد تعمقا وتعقدا بفعل الأسباب التالية:
- تنامي ظاهرة هجرة الأشخاص وتنقلهم من دولة الى أخرى، في إطار عالم أصبح بمثابة قرية صغيرة.
- كذلك تنامي قطاع التجارة والدولية،وانفتاح الأسواق على الخارج.
- ورفع الحواجز الجمركية.
- انتشار العمليات الاستثمارية والتجارية المتجاوزة للحدود.
- ظهور شركات عالمية عملاقة لها امتداد على المستوى الدولي.
- ظهور أسلوب التعاقد الالكتروني.
كل هذه الأسباب، جعلت الحاجة ملحة الى البحث في إشكالية تنازع القوانين إقليميا بين دولة وأخرى.
وللإجابة عن هذه الإشكالية، نجد أن الفقه يميز بين مبدئين أساسيين هما مبدأ إقليمية القوانين ومبدأ شخصية القوانين.
مبدأ إقليمية القوانين ومبدأ شخصية القوانين
ويقصد بمبدأ إقليمية القوانين، خضوع جميع الأشخاص المتواجدين في إقليم دولة معينة الى أحكام قانون هذه الدولة، أما الأشخاص غير المتواجدين فوق إقليمها، فلا يطبق عليهم قانونها، ولو كانوا يحملون جنسيتها.
وبمعنى آخر فمبدأ إقليمية القوانين يطبق على كافة الأشخاص المقيمين فوق إقليم الدولة، ولو كانوا أجانب، ولا يطبق على من لا يوجد فوق إقليمها ولو كان حاملا لجنسيتها.
أما مبدأ شخصية القوانين، فيقصد به خضوع الأشخاص الأجانب المتواجدين بالمغرب، لقوانين الدول التي يحملون جنسيتها، وخضوع الأشخاص المغاربة المتواجدين بالخارج للقوانين المغربية.
ويراد بهذا المبدأ كذلك أنه يتم تطبيق قانون الدولة على رعاياها سواء كانوا فوق إقليمها أو خارجه، وعدم تطبيق قانونها على الأجانب ولو كانوا يقيمون فوق إقليمها.
وقد وضع مبدأ إقليمية القوانين تجسيدا لسيادة الدول على أقاليمها، ويعكس مرحلة كانت فيها الدول لا تتعامل كثيرا مع بعضها البعض، لكن مع تطور الظروف من حيث انتقال وتنقل رعايا الدول من إقليمها الى إقليم دولة أخرى، أصبح مبدأ الإقليمية سببا في مشاكل عدة.
لذلك تم خلق مبدأ شخصية القوانين بحيث يطبق القانون الوطني على الشخص لمنتمي للدولة استثناء ولو كان مقيما خارج إقليمها، وفي ذلك كما هو واضح تنازل نسبي من قبل الدول عن عدم السماح لاي قانون بأن يطبق فوق ترابها.
تطبيق مبدأي إقليمية وشخصية القوانين في التشريع المغربي
إن مبدأ إقليمية القوانين، يعتبر الأصلَ والقاعدة في إطار النظام القانوني المغربي، في حين يُعتمد مبدأ شخصية القوانيين كاستثناء في أغلب الأحوال، ففي إطار القانون الجنائي مثلا: نجد أن مبدأ إقليمية القوانين يطبق بشكل أساسي، حيث أن القانون الجنائي المغربي، وفقا للفصل العاشر 10 من هذا القانون، يسري على جميع الأشخاص المتواجدين بإقليم الدولة من مواطنين وأجانب وعديمي الجنسية.
واستثناء يطبق التشريع الجنائي المغربي، على بعض الجرائم التي ترتكب خارج المغرب، وذلك وفقا لمقتضيات المواد من 704 الى 712 من قانون المسطرة الجنائية.
وقد نص المشرع المغربي ضمن قانون المسطرة الجنائية الصادر في 03 أكتوبر سنة 2002 الذي تم تعديله وتتميمه بمقتضى القانون 03.03 المتعلق لمكافحة الإرهاب على بعض من الاستثناءات التي يطبق فيها القانون الجنائي المغربي وتختص فيها المحاكم الغربية ضمن المواد السالف ذكرها أعلاه.
ومن ذلك على سبيل المثال ما جاء ضمن الفقرة 3 من المادة 704 أن المحاكم المغربية يمتد اختصاصها فيما يرجع الى البت في الفعل الرئيسي الى سائر أفعال المشاركة أو الاخفاء، ولو في حالة ارتكابها خارج المملكة من طرف أجانب.
ومنه كذلك ما جاء بمقتضى المادة 710 التي نصت على أن كل أجنبي يرتكب جناية خارج أراضي المملكة يعاقب عليها القانون المغربي إما بصفته فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا فإنه يمكن متابعته والحكم عليه حسب القانون المغربي، إذا كان من ضحايا هذه الجناية من جنسية مغربية.
إلا أنه في بعض الفروع القانونية نجد أن مبدأ شخصية القوانين هو الذي يهيمن، ونذكر من بين هذه الفروع قانون الأسرة والقانون المدني والقانون الدولي الخاص.
إذ أن القاعدة المعمول بها في إطار التشريع المغربي، هي أن الأشخاص يخضعون فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية لقانونهم الوطني، أي لقانون الدولة التي يحملون جنسيتها، وبشأن هذا الأمر جاء في الفقرة الأولى من الفصل الثالث من قانون الالتزامات والعقود "أن الاهلية المدنية للفرد تخضع لقانون أحواله الشخصية".
كما أشارت المادة الثانية من مدونة الأسرة، الى أن مدونة الأسرة تطبق على جميع المغاربة الذين يحملون جنسية أخرى، كما تطبق على العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا.
وتجدر الإشارة الى أنه بفعل علاقات التعاون والتنسيق التي أصبحت تتكرس وتتوسع فيما بين الدول، سار مبدأ إقليمية القوانين يطبق بنوع من التلطيف والمرونة.
حيث أنه انطلاقا من الاتفاقيات الثنائية أو المعاهدات، قد تضطر الدول الى التنازل ولو نسبيا عن تمسكها بمبدأ السيادة فيما يخص تطبيق قوانينها الوطنية، وذلك لفائدة إعمال المقتضيات القانونية التي تساعد تحقيق مصالحها المشتركة، أو مصالح المجتمع الدولي، كما في قضايا الإرهاب، أو بخصوص تسليم المجرمين.
وأخيرا يمكن القول بأن القانون المغربي لا يطبق على الأشخاص الذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية من أجانب كالقناصل والسفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي، بحيث أنهم يخضعون استثناء على مبدأ إقليمية القوانين لمبدأ شخصية القوانين حيث أن القانون المطبق عليهم هو قانون بلدهم الأصلي ولو ارتكبوا أفعالا تعد جرائم في نظر القانون المغربي.
